الإعلام في مواجهة الحرب الهجينة
سنان حسن
على الرغم من التطور الكبير في التقنيات العسكرية والاستخباراتية، تبقى وسائل الإعلام بجميع أنواعها سلاحاً رئيسياً وجوهرياً في حسم المعارك وإسقاط العدو. يتضح هذا جلياً في الأسابيع الماضية من خلال المحاولة المتكررة لكيان الاحتلال الإسرائيلي لكسب المعركة إعلامياً قبل أن يبدأ حربه الفعلية في الميدان. فقد شنت “إسرائيل” هجمة إعلامية ضخمة ضد المقاومة اللبنانية وبيئتها، وذلك في أعقاب اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حيث اعتقد الاحتلال أن حملته الإعلامية ستدفع المقاومين في لبنان إلى الاستسلام، لكن ما حدث كان بعيداً عن توقعاتهم، إذ أسقطت المقاومة هذه الأحلام بالضربة القاضية من خلال بطولاتها المستمرة في الدفاع عن تراب لبنان، وإيقاع الخسائر الفادحة في صفوف جنود العدو.
منذ الثورات الملونة التي قادتها الاستخبارات الأمريكية في أوروبا الشرقية تحت شعارات “الحرية والديمقراطية”، مروراً بأحداث ما سمي “الربيع العربي”، والإعلام يعد السلاح الأهم والأكثر خطورة في حسم تلك المعارك التي رعتها واشنطن. خير مثال على ذلك ما حدث في مدينة بنغازي الليبية، حيث استسلم جنود الجيش الليبي قبل أن تطلق قوات الناتو المدعومة أي رصاصة. وتكرر المشهد في أوكرانيا وجورجيا، حيث تم إسقاط الأنظمة بالطريقة ذاتها. في سورية، لعب الإعلام المدعوم من واشنطن وحلفائها دوراً كبيراً في بداية الحرب، من خلال تأجيج الفتن والتهويل، مما أدى إلى تصاعد الأحداث المؤسفة، والقيادة في سورية كانت على وعي كامل بخطورة هذا السلاح، وقد حذر السيد الرئيس بشار الأسد من تأثير الإعلام على سير المعارك خلال الاستفتاء على الدستور عام 2012 عندما قال: “الهجمة علينا إعلامية. الإعلام مهم لكنه لا يتفوق على الواقع”.
أما في معركة “طوفان الأقصى”، برز دور الإعلام في تعزيز السردية الفلسطينية عالمياً، رغم محاولات الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية لطمس الرواية الفلسطينية، فقد منعت منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك _ انستغرام) نشر أي محتوى يبرز ضعف جيش الاحتلال الإسرائيلي أو يظهر نجاحات المقاومة الفلسطينية. أحد الأمثلة الواضحة على ذلك هو حذف الصور التي أظهرت مقاومين فلسطينيين وهم يجرون جنود الاحتلال خلال انطلاقة الطوفان. الأمر لم يقتصر على فلسطين فقط؛ حيث تعرض الإعلام الداعم للمقاومة في لبنان واليمن والعراق لحملة ممنهجة من التضييق، وخنق الرواية القادمة من جبهات الإسناد من خلال توجيه مجموعات كبرى تسير في ركبها لتكون هي الصوت الأقوى على الساحة كما حدث مع قناة الجزيرة التي أغلقت مكتبها في فلسطين المحتلة بعد 11 شهراً من التغطية فجأة وبدون مبررات، لتفتح نوافذها بشكل مفاجئ مع بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، لكن هل نجح في ذلك؟.
لا شك أن المقاومة اللبنانية تعرضت لضربات موجعة، لكن كما يقول المثل: “الضربة التي لا تقسم الظهر تقويه”. بالفعل، امتصت المقاومة اللبنانية الهجمات الإعلامية والعسكرية، واستعادت زمام المبادرة، وبدأت بإعادة نقل الصورة الحقيقية عن بطولاتها في مواجهة العدو. فالعمليات النوعية التي نفذتها المقاومة على الحدود مع فلسطين المحتلة، والتغطية السريعة للإعلام الحربي، ساهمت في إفشال المحاولات الإسرائيلية لكسب المعركة الإعلامية..
إن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” على المنطقة هي حرب هجينة، يشكل الإعلام أحد أعمدتها الرئيسية. وهذه المواجهة تتطلب جهوداً مضاعفة لسد الفجوة التقنية وتطوير وسائل إعلام قادرة على مواجهة هذه الآلة التكنولوجية الضخمة، وإيجاد آليات تسويقية قادرة على تجاوز العقبات التي تمنع انتشار السردية الوطنية.