مقتنيات ومعارض وفعاليات سورية في متحف الشارقة للفنون
غالية خوجة ـ الإمارات
يتربّع متحف الشارقة للفنون في منطقة تفوح روائحها بأزمنة عريقة متشبّثة بمبانيها وأزقتها وساحاتها، متآخية مع المناطق العربية القديمة، منها حلب ودمشق، خصوصاً، وأن المتحف يقع في منطقة “قلب الشارقة” المرشحة لقائمة الـ”يونسكو” كتراث إنساني عالمي.
ويحتضن المتحف من جملة ما يحتضن من مقتنيات ومعارض وفعاليات وندوات وورشات، العديد من الأعمال الفنية المتنوعة النادرة الموزعة إلى معرضين، هما “جذور وحداثة الفن العربي المعاصر في منطقة البحر الأبيض المتوسط”، و”التواريخ الموازية ـ أعمال فنية من مقتنيات مؤسسة بارجيل للفنون” ويضم 180 عملاً.
ومن هذين المعرضين اخترت هذه الأعمال السورية والعربية لقراءتها بما تشع منها من دلالات زمنية تاريخية، وجماليات فنية، وهوية عربية تسرد يومياتها بين الأمكنة والشخوص واللحظات.
والمفاجأة، أن أجد قلعة حلب في هذا المتحف، فأقف أمامها مليّاً، والدمع يتسرب من روحي، وأحدّق فيها وهي واقفة كما كانت عام 1925، تبعاً لبطاقة اللوحة التعريفية، للفنان الحلبي عبد اللطيف الضاشوالي (1910/1990)، تقف شامخة كعادتها، مشرقة بالألوان الزيتية المذهّبة مع أشعة الشمس وتراب الأرض، فتبدو جوهرة فريدة محصّنة بسماء لازوردية غائمة قليلاً، تشبه كل الفصول المحيطة بواقعية هذه اللوحة التعبيرية وملامحها المنسابة من بابها الرئيس، ودرجاته، والتشكيلات المحيطة به، وظلالها، وتداعيات حكاياتها المخزونة في ذاكرة الرجل الوحيد العابر في اللوحة، وكأنه الفنان وهو يمضي مع التاريخ إلى لحظة لا تغيب، أو كأنه ينظر إلى الأفق، والعشب، ويصغي إلى هدوء عميق يرنُّ في قاعة العرش والقناطر ومحيط القلعة، وذلك بعد جلسة ثقافية صاخبة كانت في مجلس سيف الدولة.
بينما يحضر مجتمع فاتح المدرّس من خلال وجوه تترك انعكاساتها على البيوت، وتترك احتمالاتها للمتلقي وهو يشاهد حركة الأحداث التي تجري بصمت داخل الإنسان والمكان، بصمت يتظلل بلون الطاقة الحمراء وحيويتها المتدرجة بين الأصفر وملامح الأرض الريفية، وكأن اللوحة تعكس مشهداً فانتازياً من الواقعية، بإمكاننا أن نسمعه وهو يكتب الحوارات الديالوغية بسردية تشبه يوميات الحياة، تلك التي نجدها في لوحة أخرى للمدرّس تخبرنا عن ثلاث شخصيات نسائية تمضين إلى الأمام، وهنّ تحملن الكثير من المرويات مع ما تحملن من تحولات الطبيعة وبيئتها وألوانها الفلكلورية من خطوط سوداء تملأها تدرجات الأزرق والأحمر والرمادي.
وتلفتنا لوحات عن فلسطين منها للفنان إسماعيل شموط الذي يروي مشهداً حياتياً واقعياً لأربعة أشخاص، اثنان منهما جالسان، واثنان واقفان، والملامح تشير إلى أعمار متقاربة بين جيلين، لكنها ملامح مترقبة، متعاطفة، تحدق بالأفق، مرتبطة بالأرض، تعكس حالة العامل والفلاح، وتوحي بامتزاج ألوان الطبيعة الخضراء والترابية مع ألوان الثياب الترابية والكحلية وتفاصيلها البيضاء من لفحة وقبعة متناسجة مع ألوان السماء في لحظة متأرجحة بين الغيم والضباب والرمادي والأزرق.
وتحضر فلسطين مع أعمال الفنانة الفلسطينية الرائدة زلفة السعدي (1905 ـ 1988)، التي غادرت مع النكبة من القدس القديمة إلى دمشق واستقرت فيها حتى وفاتها، معبّرة بلوحاتها التعبيرية الواقعية عن الأماكن الفلسطينية والشخوص الفلسطينية، عاكسة تاريخ الهوية العربية، بوجودها المعتّق بين الأزفة والآثار والمباني، بفنيات تركّز على روح فنون العمارة وزخارفها وساحاتها، كما تركّز على شخصية المرأة بفلكلورها ومشيتها وصلابتها ومواصلتها المندفعة للحياة.
أيضاً، لوحة سليمان منصور المتفائلة بالطفلة الفلسطينية المرتدية لثوب أحمر، وتلف على رقبتها “لفحة” بالأبيض والأسود من قماش “الكوفية”، وهي تحضن أمها المرتدية للزي الفلكلوري، المطرز، المشبع بزرقة قريبة من لون السماء، بينهما تماوجات خطّ أفقي واضحة للشمس، تنساب فوق الأرض، وتنعكس مع لون الوردة الحمراء التي تقدمها الطفلة لأمها بصمت تعبّر عنه ملامح العيون في حكاية بين التأمل والشهادة والتشبث بالوطن.
وبين أعمال فن البورتريه نشاهد لوحة للكاتب الفنان اللبناني جبران خليل جبران، وكيف يختصر بإيقاعاته الكلاسيكية حالة الشخصية من الأعماق المعزوفة بين شرود وجدية، فاسحة للملامح أن تتحرك بصرامة لتقف أمام ذاتها وجهاً لوجه، متكاشفة مع الأشعة والأمل والضوء القادم من الجهة اليمنى، بينما بنية السرد القابلة للقراءة تنسجم مع ألوان الخلفية بتدرجاتها الداكنة في لحظة واقعية.