مع الاعتماد على المغترب والمحترف.. هل عجزت كرتنا عن صناعة المواهب والخامات؟
ناصر النجار
مع النشاطات الكروية التي تقام في مرحلة التوقف الدولي يتجه منتخبنا إلى المشاركات والمباريات الاستعدادية، بينما تلعب الكثير من المنتخبات الأخرى مباريات رسمية تتنافس فيها للحصول على فيزا كأس العالم القادم، ومن المفيد اليوم ألا نقف على أطلال خيبة كرتنا، وعلينا أن نوقف هذا الملف وننساه لعل القادم قد يكون أفضل، وقد بدأت الاستعدادات من جديد وبدأ منتخبنا يعيد بناء نفسه، والخيار الأفضل هو استقدام المزيد من اللاعبين المغتربين من أصول سورية، وهذا ما كان يسير عليه منتخبنا في فترة المدرب السابق كوبر، لكن هذه التحركات تعطلت ولم تحقق هدفها أمام الفكر الفني للمدرب الأرجنتيني.
المدرب الإسباني خوسية لانا على ما يبدو أكثر تفتحاً وشجاعة من كوبر، وهو مدرب فلسفته الكروية تختلف كثيراً عن فلسفة كوبر، وهو قادم لزرع فكر الكرة الإسبانية في منتخبنا على أمل أن تتطور كرتنا وتخرج من الدائرة الضيقة التي تعيش فيها.
وكما نلاحظ فإن منتخبي الشباب والناشئين ضما في صفوفهما لاعبين مواهب وخامات واعدة يمكن أن تكون دم كرتنا الجديد إن لقيت الرعاية المناسبة والدعم الصحيح، لذلك فيمكن القول إن خطوات اتحاد كرة القدم تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن يداً واحدة لا يمكن أن تصفق، وكرتنا يجب أن تنجب اللاعبين المحليين لتستمر في دعم المنتخب الأول، وحتى لا يبقى منتخبنا رهن المغتربين بشكل دائم، فمن الطبيعي أن نستعين بالمغتربين كما تفعل أغلب دول العالم، ولكن من الخطأ ألا يكون لدينا رديف متطور.
المطلوب اليوم فكر ثقافي كروي جديد يطابق الفكر الكروي المحترف، وهذا مطلوب من انديتنا الكبيرة تحديداً، وللأسف حتى هذه اللحظة فإن أنديتنا لا تعرف كيفية صناعة اللاعبين رغم أن كرتنا مملوءة بالمواهب والخامات، والسبب أنها غير مؤهلة لذلك وينطبق عليها القول: (فاقد الشيء لا يعطيه) فأنديتنا للأسف تبحث عن اللاعب الجاهز ولا تريد رعاية اللاعبين ولا تضع اهتمامها في ذلك رغم أن الأمر حيوي جداً، وهذا كله لا يدعم المنتخب لأن الأندية غير منتجة للاعبين بل هي مستهلكة لهم، وإذا نظرنا (على سبيل المثال) بمركز حراسة المرمى لوجدنا أن كرتنا تعيش في عجز فليس لدينا حراس مرمى بالمعنى الافتراضي المقبول والمطلوب، والحراس الجيدون يعدون على أصابع اليد الواحدة وبدأ زمنهم بالأفول.
من جهة أخرى وإذا نظرنا إلى لاعبينا الذين يحترفون في الخارج فهم غير مدركين لواقع الاحتراف وآلياته وكل أنديتنا تقع في شباك السماسرة والكثير منهم ضاعت حقوقهم، لذلك فإن أنديتنا ولاعبينا على حد سواء لم يعرفوا طريق الفائدة من هذه الانتقالات المحلية بسبب الجهل وعدم المعرفة في قوانين تسويق اللاعبين وبيعهم.
ومازالت عقود لاعبينا الخارجية في دول الخليج وغيرها تأتي عبر المعارف والسماسرة فقط، دون أن يكون للاعبينا جهة تسويقية تضع سعراً تسويقياً احترافياً لكل لاعب، أي إن لاعبنا يذهب لأي نادٍ خارجي عبر الهاتف دون أن يكون هناك شركة اختصاصية تعمل على تسويقه لتضمن حقه من ناحية السعر التسويقي، وغير ذلك من بنود العقد وتفصيلاته التي باتت متشعبة وخصوصاً عند إنهاء العقد وما فيه من شروط جزائية أو غيرها، وعندما يكون المال فقط في المقام الأول يكون الطريق خاطئاً، لأن الهدف من الاحتراف ليس المال فقط، بل تطوير اللاعب أيضاً، لذلك نرى أن لاعبينا المحليين في الخارج لا يتطورون كثيراً لأنهم لم يعرفوا كيف يختارون النادي الذي يطور مهارتهم، فتفشل عقودهم بسرعة ويعودون إلى الدوري المحلي مثلما خرجوا منه!
من ناحية أخرى وكما هو معروف أيضاً أن الأندية لها حق في اللاعب الذي وقعت معه عقد احتراف وهذا ما نراه في كل الملاعب العربية والعالمية، فعند انتقال أي لاعب من نادٍ لآخر هناك عقود وطلبات مالية وغير ذلك، لكن أنديتنا تنازلت عن حقها في بيع اللاعبين إلى الأندية الخارجية فلم نسمع عن أي نادٍ قبض ثمن لاعب انتقل إلى أي دوري باستثناء عقد خريبين المعروف، اللاعبون الذين انتقلوا هذا الموسم وقبله لم نسمع عن أي فائدة مالية وصلت لأنديتهم إلا إذا كانت هذه الفوائد تجري في الخفاء، والفائدة الوحيدة التي وصلت لأسماعنا أن اللاعب المنتقل عليه أن يدفع لناديه كل المبالغ التي قبضها منه والسلام.
هذا الأمر يدل على جهل أنديتنا بالتعامل مع الاحتراف ولو كانت العقود مع اللاعبين سليمة لكانت الحصيلة جيدة وهذه المبالغ الاحترافية تعين أنديتنا على الصعيد المالي كتعويض عن لاعب يعتبر ركيزة في النادي باعتبار أن المتعاقد معهم لاعبون دوليون وليسوا لاعبي أحياء شعبية.
هذه ملاحظة مهمة يجب أن تضعها أنديتنا بعين الاعتبار حتى لا يقال إن هناك خلل ما في هذه العملية وحتى لا تقع أنديتنا في شبهات العقود.
الخلل في الفكر الكروي يقود إلى أخطاء كبيرة ويضيع على أنديتنا مبالغ كبيرة فضلاً عن هدر الوقت بلا طائل لأن أنديتنا تدور في حلقة مفرغة، ومن هذه الأخطاء في عمل إدارات الأندية في أسعار اللاعبين وهذا البند هو جزء من العملية المالية وربما هو سبب رئيسي في الكوارث التي تلحق بالأندية، وحتى الآن لا ندري ما الأسس التي يتم إتباعها في تحديد سعر اللاعب المحلي، لكن الواقع يجعلنا نتعجب من الأسعار المدفوعة للعديد من اللاعبين بلغت أرقاماً خيالية.
المعطيات التي يجب أن تكون أساس السعر هي معطيات فنية متعلقة بعطاء اللاعب في السنوات الأخيرة والعمر الرياضي وعضوية المنتخبات الوطنية.
فلاعب المنتخب الوطني يختلف بسعره عن اللاعب القادم من الدرجة الأولى، واللاعب الهداف يختلف عن المهاجم وهكذا فهناك معطيات فنية يعلمها المدربون ويعرفونها من خلال متابعتهم للدوري وفرقه ولاعبيه.
إبقاء الأسعار (معومة) لا يصب بمصلحة الأندية ويصب فقط بجيوب المستفيدين من ضعاف النفوس بالأندية وبجيوب الوسطاء، وهؤلاء هم المشكلة وهم من يرفعون الأسعار بشكل جنوني.
والمشكلة الأكبر التي تضع الأندية في قفص الاتهام عندما تتعاقد بمبالغ كبيرة مع لاعبين مصابين وإصاباتهم مزمنة أو مع لاعبين انتهت صلاحيتهم وهنا الطامة الكبرى التي تشعرك أن وراء الأكمة ما وراءها؟
أحد الحلول يبدأ بتوجيه الأندية إلى الاستعانة بجيل الشباب وخصوصاً أن الكثير من لاعبي الدوري بلغوا سن الاعتزال، وعندما تصدر تعليمات تفرض على الأندية وجود عدد معين من اللاعبين الشباب ضمن فرق الرجال وعدم جواز التعاقد مع أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا الثلاثين من العمر فإن ذلك سيساهم بتخفيف الدفع المالي وبتجديد دم الفرق والدوري.
هذه العوامل التي نتحدث عنها هي عوامل مهمة في تطوير كرة القدم، لأن ما يجري في أنديتنا هو عمل عشوائي وارتجالي بامتياز، وهذا كله ينعكس على كرتنا التي فقدت بريقها تماماً.
إذا لم نبدأ بتنظيم أنديتنا إدارياً ومالياً لن نصل إلى العمل الفني الجيد، والفكر الاحترافي الذي ننادي به يبدأ من العمل الإداري المنظم ومن القيود المالية السليمة، لذلك لا بد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن لغة الولاء للأشخاص وهي لغة يجب نبذها والاستغناء عنها بمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة.