حرب تشرين .. إنجاز حطم التفوق الصهيوني
د.معن منيف سليمان
تمكّن العرب على الرغم من الظروف الصعبة التي فرضتها نكسة حزيران 1967، من تحديد زمان ومكان الهجوم، فكان يوم السادس من تشرين الأول عام 1973، في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق ظهراً زمان بدء الهجوم المشترك على الجبهتين السورية والمصرية، حيث تمكنت القوات السورية من اجتياز “خط آلون” وتحصيناته في الجولان، والتقدم على ثلاثة محاور، في حين تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس وإقامة مراكز ونقاط استناد لها على الضفة الشرقية للقناة. وبدت مظاهر الانهيار على القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ومؤكد أن الحرب كانت ستأخذ مساراً مختلفاً لولا التدخل الأمريكي الغربي المباشر الذي حال دون الانهيار الكامل للجيش الصهيوني.
كانت حرب تشرين الأول عام 1973 من أبرز الأحداث التاريخية في التاريخ العربي المعاصر نظراً لمنعكساتها ونتائجها العسكرية والاقتصادية والسياسية، ولما حملته من نتائج مهمة للغاية، حيث تم تحطيم مبدأ التفوق العسكري الإسرائيلي، وانتزاع العرب زمام المبادرة من العدو باتخاذ قرار شن الحرب المفاجئة، وتظهر آثار تحطيم العرب لمبدأ التفوق الإسرائيلي واضحة في كلام أحد قادة دبابات العدو يصف وضعه: “أنت تسير بدبابتك في ثقة وطمأنينة، يظهر أمامك على بعد مئتي ياردة شخص بمفرده يحمل ما يشبه العصا ولا يمكنك أن تصدق من أن شخصاً واحداً يستطيع وحده تدمير آلية مدرعة ضخمة، غير أن الدبابة تتحول إلى حطام في غضون ثوان معدودة”.
وأدت الأعمال العسكرية إلى خسائر كبيرة غير متوقعة في الجيش الإسرائيلي، حيث بلغ عدد القتلى، حسب الاعترافات الإسرائيلية، ثلاثة آلاف قتيل، وعدد الأسرى نحو خمسة آلاف جندي وضابط، وهذا عدد ضخم بالنظر إلى القوة البشرية القليلة لدى الكيان.
كما أدت المفاجأة إلى انهيار أسطورة الطيران الإسرائيلي كسلاح فعّال في الحرب، وفي هذا الصدد كتب (أ. غلاسمان) الخبير العسكري الأمريكي عام 1973، فقال: “على الرغم من أنه كان لدى الإسرائيليين تصور عن أنواع السلاح الجوي التي يملكها العرب، فقد أدهشتهم فجأة فعاليتها وكثافة استخدامها على حد سواء”.
وكانت للحرب انعكاساتها النفسية والسياسية السلبية على الكيان الصهيوني، فاهتزّت الصورة التي خلقتها “إسرائيل” في نفوس مستوطنيها بأن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، فضلاً عن التمزّق في الداخل الإسرائيلي ولا شك أن ذلك كان نتيجة لانهيار وهم التفوق الإسرائيلي، وهذا ما اعترف به “موشيه دور” في صحيفة معاريف فقال: “لقد حطّمت حرب تشرين، مثل قبضة جبار، طمأنينة المغفلين التي دللنا أنفسنا بها، حتى صعقنا البرق”.
لقد أصابت الحرب الكيان بخسائر اقتصادية ومادية جاوزت قدرته على تحمّلها فشملت خسائره مختلف القطاعات الاقتصادية: الصناعية، والزراعية، والعمرانية، وأوقعت ميزان المدفوعات والتجارة بعجز كبير، وارتفعت الأسعار ارتفاعاً فاحشاً، وخفض النقد.
وأدت الحرب إلى عزلة الكيان دولياً بسبب سياسته العدوانية التوسعية، وتجاهله حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وهذا ما جعل مشاعر بلدان العالم الثالث تؤيد العرب في المحافل الدولية.
وأبرزت الحرب أهمية استخدام سلاح النفط العربي في المعركة، الذي استخدم للمرة الأولى، محدثاً تحولات مهمّة في الوضع الدولي لصالح العرب، ولأول مرّة تصدر دول السوق الأوروبية المشتركة في عام 1973 وثيقة سياسية مهمة دعت فيها إلى تسوية النزاع في الشرق الأوسط على أساس قرار مجلس الأمن رقم (242) لعام 1967.
وأكدت الحرب أهمية التضامن العربي في مجابهة الخطط الامبريالية والصهيونية في وضع الشرق الأوسط، وشجعت على تصاعد أعمال حركة المقاومة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة وخارجها، فازداد نشاط العمل الفدائي، واتسم بطابع جديد وهو الالتحام المباشر مع العدو بعد أن كان طابعه في السالف هو الضرب من بعيد. وأشعرت الحرب أمريكا أن الكيان غير قادر على حماية نفسه دون تدخل الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة.
إن تداعيات حرب تشرين التحريرية ما زالت قاسية على الكيان وما زالت حتى اليوم تعيش في ضمير الكثير من العرب الأحرار، ولكن في جميع الأحوال وإن جاء تشرين على سورية في هذا العام وهي في حالة الحداد، إلا أن أيامه المجيدة لن تمحى، خاصة أن أرشيف العدو الذي سمح بنشره، وما زال هناك الكثير مما لم يسمح به، يكشف أن هذه الكيان المارق لم يكن له أن يصمد إذا ما اجتمع العرب متضامنين لقتاله، ولم يكن له أن يعود ليشن هجوماً مضاداً لولا تدخل الأمريكيين بطيرانهم وجنودهم إلى جانب الصهاينة لقتال العرب والسوريين على الجبهة السورية.
بعد وصول حرب تشرين إلى عامها الحادي والخمسين، يتحدث الصهيوني عن معركة “انتصار الروح”، ويريد من ذلك رفع معنويات جنوده وقطعان مستوطنيه، ويريد في الوقت نفسه تحطيم المعنويات العربية في زمن الاتفاقيات الإبراهيمية، وفي وقت يحضر فيه للمعركة الكبرى، وهو يعرف أنها قادمة ولا يستطيع دخولها دون اللعب على الحرب النفسية، وهنا يمكننا القول، لا يظنن أحد أن التخطيط لمجزرة الخامس من تشرين الأول لم يكن مدروساً ومخططاً ضمن مستلزمات الحرب النفسية، فبينما يتحدث عن انتصار الروح الصهيونية يحاول كسر الروح في سورية من خلال المجزرة.
لذلك كان توقيت مجزرة الكلية الحربية في حمص في الخامس من تشرين الأول العام الماضي المترافق مع تخرج دفعة من ضباط من الجيش العربي السوري، اختلط فيها دم العسكريين بدم أهاليهم المدنيين من رجال ونساء وأطفال جزء من مخطط الحرب النفسية لتهشيم معنى تشرين عبر إنشاء صفحة خاصة يحاول من خلالها تغيير المفاهيم.
ويبقى القول: إن عرب المقاومة الذين خاضوا تشرين من أجل الكرامة والحقوق، يستطيعون خوض أكثر من تشرين آخر حتى يستعيدوا حقوقهم كاملة غير منقوصة، سلماً كان ذلك أم بالكفاح المسلح.