حرب تشرين التحريرية… إرادة الشعب وقوة الجيش لا تنضبان
هيفاء علي
تحل الذكرى الواحد والخمسين للانتصار في حرب تشرين التحريرية، لهذا العام، ومعظم ربوع سورية عاد إليها أمنها وأمانها بعد تطهيرها من الإرهاب، بفضل تضحيات أبطال الجيش العربي السوري صانع تشرين التحرير، الذي تحدى التنظيمات الإرهابية والقوى الداعمة لها، وواجه وصمد وانتصر محققا إنجازات نوعية في مواجهة الأعداء، قاطعا الطريق على المخطط الصهيو-أمريكي الهادف إلى السيطرة على هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم، وإعادة تقسيمها ورسم خرائط جديدة لها بما يتناسب ومصالحهم وأهدافهم العدوانية.
كما تحل هذه الذكرى العظيمة والخالدة لحرب تشرين التحريرية هذا العام في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، وفي خضم تصعيد خطير من جانب الكيان المحتل، الذي بدأ بتنفيذ اغتيالات متتالية لقادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وآخرها اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله وعدد من رجال المقاومة، بتوجيه ضربات غادرة على الضاحية الجنوبية لبيروت.
ومن ثم شن عدواناً سافراً على جنوب لبنان، لا يزال مستمراً حتى الآن، وبالطبع مع عدم نسيان العدوان الوحشي على قطاع غزة والضفة الغربية الذي أكمل عامه الأول، دمر فيه الحجر والبشر.
ومع عدم نسيان الاعتداءات المتكررة على سورية، كل ذلك على مرأى ومسمع العالم برمته، ولا أحد يحرك ساكناً. وعندما قامت جمهورية إيران الإسلامية بالرد واستهداف “إسرائيل” بعشرات الصواريخ، انتقاماً لقادة المقاومة ولكل الشهداء الأبرار، قامت الدنيا ولم تقعد، وهبت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تتوعد “بتوجيه ضربة موجعة لإيران”.
لقد جسد انتصار حرب تشرين التحريرية إرادة وعزيمة السوريين وقوة الجيش والقوات المسلحة، وعظمة ولائهم للوطن، واستعدادهم الدائم للتضحية في سبيل عزته وكرامة أبنائه وسيادته.
جوهر القرار التاريخي بخوض الحرب لمحو آثار وتداعيات نكسة حزيران عام 1967 وإعادة الحقوق وتحرير الأرض، اتخذه القائد المؤسس حافظ الأسد، وقد استند إلى إرادة السوريين واحتضانهم الجيش العربي السوري الذي سعى منذ تأسيسه إلى امتلاك إرادة القتال، واستثمار السلاح والاستبسال في الدفاع عن الوطن، لذلك تحقق النصر المؤزر المبني على قاعدة متينة من العقيدة القتالية الوطنية التي تميز بها الجيش منذ تأسيسه عام 1945 وكانت صفحة من صفحات المجد التي يتميز بها سجله العروبي.
فكان على الدوام معقد رجاء الأمة للذود عن قضاياها، فحمل راية التصدي للمخطط الغربي الصهيوني لسلخ فلسطين وتقديمها للعصابات الصهيونية في أربعينيات القرن الماضي، وشكل بعدها حصناً منيعاً أمام أطماع الصهاينة في التوسع واغتصاب مزيد من الأرض العربية إلى مطلع السبعينيات، حيث خاض بواسل الجيش حرب تشرين وحطموا فيها صورة قوات الاحتلال التي ادعت أنها لا تقهر، ليستكمل الجيش العقائدي دوره الريادي على مستوى الأمة، ويقدم الشهداء في لبنان الشقيق في الثمانينات لإيقاف الاجتياح الإسرائيلي، وكان عوناً رئيساً وداعماً حقيقياً للمقاومة الوطنية اللبنانية إلى أن تم تحرير معظم أراضي الجنوب عام 2000 وصولاً إلى هزيمة العدو الإسرائيلي عام 2006 وهو اليوم وعلى مدى 12عاماً حارب الإرهاب الظلامي والتكفيري نيابة عن العالم كله.
بدأت ساعة الصفر على الجبهة السورية باقتحام الجيش العربي السوري من اتجاه الجولان المحتل، حيث بدأ الهجوم في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم العاشر من رمضان الـ 6 من تشرين الأول عام 1973 وانتهت عمليات اليوم الأول بنجاح كبير، وتمكنت معظم القوات من عبور الخندق المضاد للدبابات، واستولت على معظم المواقع الأولى المعادية، وجرفت القوات المهاجمة الأعداء أمامها على الجبهتين السورية والمصرية، وحطمت بطولات أبناء القوات المسلحة السورية والمصرية تحصينات العدو الصهيوني، إذ شكلت معركة جبل الشيخ في مرصده ومعركتا “تل السقي وناب” على جبهة الجولان أسطورة الحرب الخاطفة بصورتها الحقيقية.
وفي اليوم الثاني تابعت التشكيلات العسكرية تقدمها في عمق مواقع العدو الدفاعية، وخاضت الدبابات معارك قوية في كفر نفاخ التي ترسخت في أدبيات المعارك المظفرة في تاريخ حرب تشرين، فكانت بسالة المقاتلين وولاؤهم لوطنهم أقوى بكثير من الهجوم التصادمي الذي اتبعته دبابات العدو.
وفي معركة الخشنية نجحت القوات السورية بعد ضربة مفاجئة من عبور الخندق المضاد للدبابات، واختراق المواقع الدفاعية المعادية. وفي منطقة الدبورة، استعر لهيب الصدام المباشر، حيث التحمت دبابات الجيش بدبابات العدو الذي كان يشن الهجوم المعاكس تلو الهجوم، ورغم ذلك تمكن أبطال الجيش العربي السوري البواسل من إلحاق خسائر فادحة بالعدو في الأفراد والمعدات.
ومن أروع المعارك كانت معركة تحرير مرصد جبل الشيخ، وتحرير تل الفرس الذي أقام العدو عليه عقب عدوان حزيران 1967 موقعاً دفاعياً ومرصداً حصيناً أشبه بقلعة من الصخور السوداء، حيث قامت الطائرات العمودية بعملية إنزال جوي على الجانب الشمالي الشرقي لتل الفرس في اليوم الثاني لبدء الحرب، ودخل المقاتلون في معركة مباشرة مع مقاومات عنيدة من العدو، وبعد أن طوقت المجموعات التل اندفع مقاتلونا هجمة رجل واحد حتى تم تحرير تل الفرس.
معارك مشرفة خاضتها قواتنا المسلحة الباسلة في الأيام التالية من عمر الحرب، منها دير العدس، وبيت جن، وطرنجة، وجباتا الخشب، ومعارك جبل الشيخ، وصولاً إلى حرب الاستنزاف التي أمر القائد المؤسس حافظ الأسد بشنها في الـ 3 من آذار عام 1974 ضد العدو الإسرائيلي واستمرت 82 يوماً.
لقد أنبتت بذور النصر التي نثرها انتصار حرب تشرين التحريرية في نفوس أبناء الوطن على مر السنوات رجالاً ميامين يبذلون أرواحهم رخيصة، دفاعاً عن حمى الوطن. ومع عودة الأمن والاستقرار إلى معظم المناطق على امتداد مساحة الجغرافيا السورية يتابع بواسل الجيش العربي السوري استكمال تحرير ما تبقى من أرض أصابها الإرهاب، وعيونهم ترنو إلى تحرير جولاننا المحتل من عدو غاصب لم ينجح في وأد الحقوق على طريقته الجاهلية الظالمة.