الوقت الذي قطعنا..
نجوى صليبه
“الوقت كالسّيف إن لم تقطعه قطعك”، عبارة تعلّمناها ونحن على مقاعد الدّراسة الابتدائية، وكتبناها بخطّ الرّقعة حاضراً وغيباً، ورسخت في أذهاننا ككثير من العبارات والجمل المثالية التي ما نزال نستذكرها بحسرة وضيق وربّما خذلان.
الغريب في الأمر أنّنا في تلك الفترة وكلّما حاولنا تنظيم وقتنا، فلتت منّا ساعات كثيرات يومياً باستثناء مرّات قليلة، وكأنّ الحياة آنذاك كان تلقّننا درساً آخر غير الذي تعلمّناه، وتجهّزنا لحياة ما بعد المدرسة والجامعة، فكم من السّاعات قضيناها ونقضيها ونحن ننتظر وسائل النّقل للذّهاب إلى العمل أو العودة منه؟، وكم من الوقت نقضي، اليوم، لكي نتأكّد من وصول رسائلنا الإلكترونية، سواء الاجتماعية أم المهنية، إلى الجهة المقصودة في عزّ بطء الإنترنت وشبكات الاتّصال؟ وكم من الوقت ونحن ننتظر فرصاً أخذها من لا يستحقونها وكلّنا أمل بألّا نفقد شغفنا فيها إن طال طريقها إلينا أكثر، ونحن نقول “كلّ شي بوقتو حلو”؟ وكم من الوقت قضينا ونحن ننتظر موظّفة لتنهي مكالمتها الهاتفية أو فطورها “السّريع” لكي تحرّك قلمها وتزّين معاملةً رسميّة بتوقيعها الجميل؟.
ولكي لا نضيع بوصلة المقالة ونضيع الوقت في العموميات، سنخصّص الحديث عن النّشاطات الثّقافية، إذ يحدّد موعد أي نشاط على الأقلّ قبل أسبوع، لكن للأسف الشّديد ما نزال نعاني عدم الالتزام بالوقت، ولا نعرف ما هي مبررات التّأخّر أكثر من نصف ساعة، وهذه المّرة لن نتحدّث عن تأخّر عن المحاضرين المشاركين بالنّشاط، ولا عن الحضور، بل المنظّمين الذي يتولون تنفيذ حفل توقيع كتاب وزركشته بأمور تقنية -سنتحدّث عنها لاحقاًـ، لا ضرورة لها في كثير من الأحيان سوى إضاعة الوقت!، ولكلّ من يسأل أو يشير بإصبعه إلى عدم تدخّل مدير المركز -أو مديرته- وفرض سلطته واستعجال المنظّمين، نقول وبكلّ أسف، أحياناً قد يُحرج من الإلحاح بحكم المعرفة السّابقة بالأشخاص، وقد يلحّ عليهم ولكن من دون جدوى.
زركشات إخراجية..!
والآن نفصّل في الأمور التّقنية التي يصرّ البعض على إقامتها خلال حفلات توقيع الكتب التي أساسها تقديم قراءات نقدية -وحتّى هذه ألغاها البعض واكتفى بعرض أو مديح للكتاب-، مع العلم أنّ الأجهزة الصّوتية وشاشات العرض وغيرها من المعدّات الموجودة في المراكز الثّقافية غير مؤهلة لهكذا أمور، وهذا ما ذكرنا مراراً، وذكره كثير من الموسيقيين، لكن لا أعرف لماذا يصرّ البعض على تسجيل صوت إعلامية ما وهي تقرأ على سبيل المثال فقرةً من الكتاب -المحتفى به- وإرفاقه بمقطع مصوّر لا يمتّ للكتاب بصلة لا من قريب ولا من بعيد؟، أليس حريّاً بمؤلف الكتاب -أو مؤلفته- أن يقرأ مباشرة وبصوته على الحضور بعضاً ممّا خطّت يداه؟ أم أنّه يخاف ويعرف إمكانياته اللغوية؟.
ولا أعرف لماذا علينا انتظار أحد المشاركين بالاحتفال لكي يفتح جواله ويسمعنا تسجيلاً صوتياً غير واضح أرسله كاتب من خارج البلد عبر الـ”مسنجر” أو “الواتس” أو حتّى مقطعاً مصوّراً، أليس حريّاً بنا بعد أن عرفنا مقدراتنا التّكنولوجية والتّقنية الكفّ عن هذه الأساليب والطّرق واستغلال الوقت بأفضل من ذلك؟.
والآن عند زركشة أخرى من زركشات حفلات التّوقيع، وهي الإصرار على الفوضى والتّجمهر والتّجمع حول الكاتب وهو يوقّع، ولا أدري لماذا؟ إن كان الكاتب أحضر نسخاً تكفي أو حتّى لم يفعل ذلك، نسأل السّؤال ونعرف إجابته وهو التقاط صورة هذه الجمهرة ونشرها في الإعلام وعلى صفحات التّواصل الاجتماعي لصنع هالة كاذبة للكاتب وكتابه!.
والسّؤال الذي يطرح نفسه ونترك إجابته عليكم هو: هل حقاً حفل توقيع كتاب في مركز ثقافي يحتاج إعداداً وإخراجاً ومبلغاً مالياً جيّداً مقابل نصف ساعة من الزركشة؟.