الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

وماذا الآن؟

عبد الكريم النّاعم

بوجه لا يتميّز فيه الغضب من البشاشة، وبملامح مشدودة قال له: “أنا في حيرة مَن يهتدي”.
أجابه: “أظنني فهمتُ ذلك، لكنْ أحبّ أن أستوضح لأرى فيما إذا كنتُ مصيباً في تقديري؟”.
قال: “الزلزال العنيف الذي أصاب شرفاء العالم، لا شرفاء هذه البلاد فحسب، إثر اغتيال سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصر الله، لم تكد تمرّ عليه أيام، وقد خاف البعض من أن يكون خيط السُّبحة قد انقطع، بعد أيام أعادت المقاومة في لبنان، بعض الطُمأنينة، ما جعلنا ننتشي بإفشالها ما خطّط له العدو الصهيوني، بدعم أمريكي، أطلسي، وهو دعم مُمثّل بإمداد للعدو بالمال، والسلاح، والاستخبارات، وهذا يعني أنّنا نُواجه حكام الغرب المتصهينين، بينما مَن يُفترَض فيهم أنّهم من أبناء جلدتنا، في أحسن أحوالهم، يستنكرون كلاميّاً، وبعضهم يساند العدوان سرّاً، وثمّة تواطؤات خفيّة، سوف تكشفها الأيام، نلمس آثارها، ولا نضع يدنا على مفرداتها، وهذا يجعلني بين حدّين من الخوف والأمل”.
أجابه: “أستطيع فهم ذلك، وليست حالتي ببعيدة عن حالتك، لكنّني أضيف إلى ما تفضّلتَ به، أنّ المقاومة لم تفاجئنا وحدنا، بل فاجأت الأعداء، فقد ظنوا أنّهم سيوقدون نيران أفراحهم فإذا بالفينيق ينتفض من رماده، وينطلق بلهيبه المقدّس، فتقدّم قادة مُعدّون، كبدائل للذين ارتقوا شهداء، وبثبات الرجال المؤمنين بقضيّتهم، استمروا في إمطار مستعمرات الصهاينة بصواريخهم ومسيّراتهم، وهذا ما كان أكّد عليه سيد شهداء المقاومة، وأعدّ له مع رفاقه عدّته، وسوف تعرف الأجيال القادمة قيمة هذا القائد الفذّ التنظيمية، والإعدادية، وبُعد نطره الذي يخترق الحُجب، وتَوَّج المقاتلون الشجعان روعة ما تابعوه أنّهم في أوّل مواجهة بريّة لهم مع نُخبة جيش الصهاينة، أنّهم أوقعوا بهم مجزرة، قلبت موازين ما توقّعوه، وأخمدتْ مشاعر الزهو التي ظنّوا أنّهم سيحتفلون بها”.
قاطعه: “أنا أتساءل وماذا بعد، ونحن نواجه كلّ مَن ذكرت، أقول هذا وأنا أعلم حجم ما فعلتْه إيران، وما تختزنه من إمكانات تجعل العدو يعدّ للمائة قبل أن يُقدم على مهاجمتها، هل سيقبل الغرب أن تنكسر إرادته، وقلعته المتقدّمة إسرائيل؟!”.
أجابه: “أنا أقدّر تخوّفك النّابع من صدق انتمائك، وأعلم أنّ هذا التخوّف له ما يبرّره، لكنّني أتساءل بالمقابل هل عرفتَ في التاريخ غازياً محتلاًّ تراجع عن مطامعه مُختاراً؟! وهل قرأتَ أو سمعتَ أنّ شعباً غزاه الطامعون استطاع أن يتحرّر من دون أن يحمل السلاح، ويُواجه الغزاة عبر التاريخ؟!! حين نستذكر أحداثاً مضتْ، نرى أنّ الشعوب التي سلّمتْ أمرها للقوة التي احتلّتها قد دخلتْ في عصور من الظلام، والجمود، والتراجع الثقافي، والاجتماعي، وفي جميع مناحي الحياة، وما زلنا نذكر احتلال الأتراك الذي دام أكثر من أربعة قرون، وما تركه من آثار سلبيّة ما تزال مفرزاتها المُخجلة ماثلة في بعض جوانب حياتنا.. لسنا أمام خيارات كثيرة، نحن أمام خيار واحد، إمّا أن نتصدّى لهذه الهجمة، وإما أن نستسلم، واستسلامنا يعني أنّنا نمدّد، بإرادتنا، أزمنةَ أن نكون أذلاء، وتابعين، وعبيداً بمعنى العبوديّة الكامل، وإمّا أن نواجه هذه الهجمة، قد لا نقدر حاليّاً على تحقيق النصر الذي نريد، ويكفينا إنجازاً أن نمنع العدوّ من تحقيق أهدافه، وبذلك لا نكون قد ثبّتنا هدفاً نوعيّاً غالياً، بل ونؤسّس لمفهوم استمرار المقاومة، أقول هذا وأذكّر أنّنا منذ أكثر من سبعين سنة ونحن في معارك مستمرة، نقاتل باللحم الحيّ، ولم تكسرنا الجولات التي تقدّم فيها العدو، بينما عدوّنا تمحقه هزيمة واحدة لاقتلاع جذوره، نحن أمام أعداء لا يرحمون، فماذا نفعل؟!! أنستسلم؟!”.

aaalnaem@gmail.com