عفاف الخليل: جوهر الشعر خلق الحياة وتلوين المشاعر ورسمها
حمص- عبد الحكيم مرزوق
تتعدّد اهتمامات الشاعرة عفاف الخليل، فهي حاصلة على إجازة باللغة الإنكليزية، ودبلوم بالطاقة الحيوية، وتكتب القصة وتتهيب الغوص فيها، ولها موقف من النقد، وصدر لها حتى الآن ثلاث مجموعات شعرية هي “نبضات عاشقة” و”أزمنة لصيف آخر” و”إليك أشيل ارتحالي”، وكتاب أبحاث “أجمل ما قرأت”، ومجموعة قصصية قيد النشر “مذكرات حرب” ومجموعة شعرية مخطوطة.
في لقاء “البعث” معها حدثتنا بداية عن كيفية تلمّس طريقها إلى الشعر بقولها: “سأحكي مشهدين من الطفولة كانا الشرارة التي أشعلت وهج الشعر وزجتني في أحضانه، ومازلت حتى الآن أشعر بأني مطفأة من دونه وكأنه حرزي من الانطفاء”، وعن دراستها للغة الانكليزية، ومدى مساهمة اللغة باتجاهها نحو الشعر قالت: “لقد جاورت اللغة العربية وقواعدها وبحورها من خلال والدي مدرّس اللغة العربية والشاعر الذي يملك اثنتي عشرة مجموعة شعرية، وبعدها جاءت دراستي للغة الانكليزية لتفتح لي نافذة على الأدب الغربي وشعرائه، لكن دعني أحكي لك هذا المشهد، في التسعينيات كان هناك ملحق ثقافي يأتي مع جريدة تشرين، ويحوي على شعر مترجم ومسرح ورواية وقصص قصيرة، ومرة كان الملحق يتحدث عن تجربة الشاعر الروسي “قيصر باييخو”، وهنا لفتني مقطع شعري له، كان بوابتي لقراءة الشعر المترجم وإثراء خيالي بالصور واللقطات المدهشة، يقول المقطع الصغير على لسان الشاعر:
لا أعرف ما الذي حصل لي
وبدلاً من أن أضع المعطف على
كتفي.. وضعتُ البيضة!
ربما سيجد أحدهم المقطع عادياً جداً، لكنه هزّني من العمق، لأنني عرفت أنّ الشعر ليس فقط صور ووزن وقافية، لكنه التقاط حالة شعورية غريبة تسيطر على الشاعر وتصويرها بسطور مبهرة، والشاعر الحقيقي هو من يستطيع نقل هذه اللقطة بكل أمانة وبكل إحساس، على الرغم من بعدها عن المنطق وسباحتها بفضاء مختلف وعالم له أبعاد أخرى وأخرى”.
وعن الرسالة التي تحملها في نتاجها الأدبي، وتريد إيصالها للقراء قالت: “كتبت للأنثى والوطن والحرية والخير والجمال والحب، وكتبت استنهض الأمة العربية:
بالأمسِ جاءتْ أمّنا بسّامة
عند الصباحِ ببهجةٍ سمحاءِ
قالت: ألم تسمعْ نداءً منقذاً
قد جاء منتصراً لصوتِ ندائي
إنّي وجدتُ الليثَ أنهى صمتَه
نادى لأشبالٍ بلا إبطاءِ
هيا إلى التصحيحِ نوقدُ نارنا
مع كلّ صوتٍ ثائر وفدائي
وكتبت عن الشهيد لأوصل رسالة تقدير وامتنان لمن افتدى وطنه بروحه ولتعلو قيمة الشهادة عند الأجيال القادمة:
ما كان فقدك خيبة ورحيلا
إذ صرت وحدك في القلوب نزيلا
مهما يبالغ مادحوك بوصفهم
يبقى المديح إلى علاكَ قليلا
قد قال فيك القائلون ملاحماً
تبقى الحقيقة فوق ما قد قيلا
أيضاً إذا كان الجميلُ بطولةً
أنت الذي جعل الجميلَ جميلا
ورسالتي هي نشر المحبة بما تحمل الكلمة من اتساع”.
ورداً على سؤال: ثمّة من يرى في شعرها تمرداً كنزعة أصيلة ترد فيها على محاولات تقييد المرأة والحجر على حريتها، وفيما إذا كانت تعتقد بأننا في هذا العصر بحاجة إلى هذا التمرّد، وهل أخذت المرأة حريتها بشكل كافٍ؟ أجابت: “قديماً كانت المرأة تتعرّض للإيذاء النفسي والجسدي والاجتماعي، لذلك كان لا بدّ من النضال، سواء بالقلم أم غيره من أجل هذا الكائن المظلوم، أما الآن فأراها قد وصلت إلى ما تريد، والتمرد حتى هذه الكلمة لي تحفّظ عليها، هي كلمة سلبية أفضّل قول التفتّح أو الإشراق أو استعادة الحقوق، لأنها بالنهاية هي إنسان ولها حقوقها كإنسان قبل أن تكون أنثى، قديماً، وفي داخل الحرملك وشاهدنا من خلال الدراما السورية مثل “باب الحارة” كيف كانت الأنثى تابعة لا تعمل ولا تسافر ولا يحق لها الزواج ممن ترغب ولا تظهر على الرجال، وهذا الأمر انقلب تماماً، فها هي تسافر وتطلب العلم ولو في الصين وتخترع، ومنذ فترة قرأت قصصاً عن سيدات سوريات سافرن، وهن الآن سيدات أعمال منافسات في سوق العمل والأعمال، وأخريات حصدن جوائز الاختراعات في أوروبا والغرب، أما عن تجربتي فأنا عايشت نهاية كسر القيود وبداية التفتّح، ولي كتابات في هذا الخصوص قصيدة اسمها “بقايا زئبق على صوتي”:
“يا.. يا امرأة.. قومي ندشّن فرحةَ الحزن المرير
قومي امسحي.. هذا التسكع والفراغ
فعلى مفارق حبنا عمر تعثّر بالمشيب
هيا استحمي بالليالي
والتضاريس المليئة بالزحام”..
وفيما إذا كانت قد ورثت عن أبيها موهبة الشعر، وهل الشعر يورث؟ قالت: “يقال في علم التربية: لا تقل لولدك اقرأ بل اقرأ أمامه”، وهذا ما يدعونه التعلم بالسلوك، لقد كان والدي يسكن صومعته التي لا يغادرها وهي المكتبة الكبيرة والقراءة المستمرة، وأنا استطعت التقاط تلك السعادة التي كان يشعرها، ووصلتني تلك الذبذبات التي تنعشه عند قراءة القصائد التي يكتبها أمام الأصدقاء، وخزنّتها في ذاكرتي لتُترجم فيما بعد بجينات الأدب أو وراثة الأدب إن شئت أو لو سمحت لي أقول لوثة الشّعر”.
أما كيف ترى الشعر الأنثوي؟ فتجيب: “لي رأي بذلك ولا أتحجر عنده مطلقاً، وأنا أحبّ المرونة والتطور والتغيير، لأن جوهر الأدب والشعر هو أن تخلق الحياة في الجمادات، وأن تلوّن المشاعر وترسمها ليراها الآخرون، لا أن تقف عند رأي وتسجن نفسك فيه بالنهاية تكون قد سجنت نفسك والعالم يتقدّم، وأنا لا أحب تقسيم وتصنيف الشعر إلى أنثوي وذكوري، وإعطائه مقاسات وألقاباً وأسماء، الشعر ينتمي إلى الإنسان أولاً، فلماذا نحجّمه أو نقولبه أو نقسمه؟، والأدب النسوي أو حتى الشعر الأنثوي ظهر في أواسط القرن العشرين وكان نافذة للبوح بهموم المرأة، حيث كان ينتقد الرجل والقيود التي حجم بها الأنثى، وهو كلّ ما كتبته المرأة دفاعاً عن حريتها ونظرة الرجل إليها، لكن الذي حصل أن الأنثى هي التي ربّت الذكر وشربته فيما بعد احترام الأم والأنثى بالعموم فكُسرت القيود من تلقاء نفسها”.
ورداً على سؤال: أنت حاصلة على دبلوم بالطاقة الحيوية، هل تعتقدين وجود علاقة بين علم الطاقة وبين الروح الشاعرة التي تمتلكينها؟ أجابت: “الشعر هو نتيجة المشاعر التي هي صوت الروح والطاقة الحيوية أو الوعي والتي تعلم القدرة على التحكّم بهذه المشاعر تماماً كما يفعل الشاعر.. إنه يضبط مشاعره بالقصيدة، والشاعر باختصار ينقل حالة وجدانية وإحساساً بالحمال ومشهداً مدهشاً حرّك مشاعره إلى كلمات، كذلك الطاقة الحيوية تعلّمنا ضبط مشاعرنا والتحكم فيها، سواء بكتابة قصيدة أم باتباع دورات لذلك حتى تبقى حالة السلام والخير والإيجابية مسيطرة على مشاعرنا”.