اقتصادصحيفة البعث

البلديات لن تلتزم بالكود الزلزالي!

علي عبود

صحيح أن البلديات تشترط من أصحاب التراخيص الحصول على إذن من مهندسيها قبل المباشرة في أعمال الصبّ للأبنية الجديدة، لكننا نعرف جيداً أن البلديات هي التي تقف وراء كلّ المخالفات في طول البلاد وعرضها، لكنها ليست الوحيدة التي يُمرّر المخالفات بالاشتراطات الهندسية، فالمقاول أيضاً يتساهل مع أصحاب العقارات بتعيين المهندس المشرف، أي صمام الأمان لتشييد بناء مقاوم للزلازل.
نعم، نتفق تماماً مع ما قاله نقيب المقاولين بعد زلزال 6/ 2/ 2023 بأن تنفيذ البناء بشكل صحيح وسليم يتطلب “وجود مقاول يعمل بشكل صحيح، ومهندس موجود بشكل دائم على التنفيذ، والاهتمام بالمواصفة من حديد وإسمنت ورمل وبحص وطريقة تنفيذ صحيحة”، لكن السؤال: من الجهات التي استهترت ولا تزال تستهتر بهذه الشروط الملزمة وتسبّبت بانهيار آلاف الأبنية على رؤوس سكانها خلال ثوان قليلة أي بطرفة عين؟

لقد شكّلت نقابة المهندسين بعد الزلزال الذي أصاب البلاد لجاناً فنية بكل فرع نقابة بالتنسيق مع المحافظين ورؤساء المدن والبلديات، مهمتها “الكشف الفوري على المباني المتضررة من التشققات والتصدعات، وغير ذلك، وإعداد بيانات وتقارير عن حالاتها الفنية من حيث الخطورة وفق استمارات أُعدّت وفق دليل العمل الهندسي لفرق التدخل السريع الميدانية، حيث تبيّن هذه الاستمارات درجة الخطورة.. الخ”.
ولعلّ السؤال الأبرز المطروح منذ أشهر: وماذا بعد الكشف على الأبنية المتضررة في المناطق المنكوبة (حلب، اللاذقية، إدلب، حماة)؟
لقد كشفت المخالفات ما بعد زلزال 6/ 2/ 2023 أن البلديات لم ولن تلتزم بالكود الزلزالي، بالتواطؤ مع الكثير من المقاولين وأصحاب العقارات، وهذه المخالفات المزلزلة للأبنية الجديدة والمرمّمة يجب أن تضع لها الحكومة الجديدة حلاً جذرياً.
لقد بلغ عدد المباني التي تمّ الكشف عليها منذ وقوع الزلزال بحدود 8 آلاف مبنى، ومع أن النقابة أنهت مهمتها نتوقع أنها رفعت للحكومة السابقة مذكرة تُبيّن فيها الحالة الفنية للمباني التي دمرها الزلزال، وتجيب عن السؤال: ما أسباب عدم صمود آلاف الأبنية خلافاً للأبنية الأخرى الأقدم منها أو الأحدث؟
طبعاً، الحكومة السابقة لم تجب عن السؤال، ولم تقرّ الآليات الزاجرة التي تمنع البلديات من مخالفة الكود الزلزالي بدليل استمرار المخالفات.
وحسب النقابة، فإنها تنبّهت مبكراً لأهمية تصميم المباني والمنشآت لمقاومة الزلازل، فأصدرت في عام 1995 الكود العربي السوري الذي يلزم بتصميم المباني لمقاومة الزلزال في كلّ مناطق البلاد بموجب خريطة زلزالية، وقد تمّ اعتماد الكود وتطبيقه بقرار من رئاسة الوزراء منذ عام 1996، وبات إلزامياً لكل المباني والمنشآت الخاصة والعامة والمشتركة والتعاونية، ولكن كما في كلّ القرارات والتعاميم هناك بون شاسع بين ما يصدر على الورق وما يُطبق على الواقع، والحصيلة انهيار آلاف المباني في ثوانٍ قليلة بفعل التهاون والتقصير وغضّ النظر من الوحدات الإدارية لتطبيق الكود الزلزالي.. فهل ستتعلم الحكومات القادمة الدرس، فلا تتساهل بتطبيق الكود الذي يضمن تشييد أبنية مقاومة للزلازل وتحافظ على أرواح الناس قدر الإمكان؟