الطوفان مستمر
سنان حسن
عام كامل مرّ على طوفان الأقصى، حيث ارتكب فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي كل أنواع الفظائع والجرائم بحق أهل فلسطين، لكنه لم يتمكن من كسر المقاومة في غزة أو حتى السيطرة على القطاع، رغم كل الادعاءات التي أطلقها هو وواشنطن حول تراجع قوة المقاومة.
كان آخر هذه الادعاءات عشية الذكرى السنوية للطوفان، حيث زعمت بأن المقاومة لم تعد كما كانت في بداية العملية، لكن المقاومة ردت بقصف صاروخي على تل أبيب أربع مرات، معلنةً أنها ما زالت صامدة ويدها على الزناد. فعن أي إنجاز يتحدث الصهاينة؟ وأي نصر حققوه في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي صمدت في غزة المحاصرة منذ أكثر من 18 عاماً؟
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان الهدف استعادة الأسرى وكسر المقاومة، وإقامة حكم تحت سلطة الاحتلال المباشرة، لكن على الرغم من مرور عام، إلا أن هذه الأهداف لم تتحقق، رغم كل القتل والتنكيل والإرهاب والعنصرية التي مُورست بحق أهل غزة، فلم يبقَ مكان واحد في غزة آمن باعتراف المنظمات الدولية، ولم تبقَ بقعة واحدة من القطاع لم تنزل عليها آلاف الأطنان من المتفجرات والقذائف والصواريخ. ورغم كل ذلك، لم تنكسر المقاومة وبقيت تقاتل بنفس الروح، ولم تتنازل عن مطالبها بوقف العدوان على غزة، وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع، وإعادة إعماره.
في المقابل، كان من ثمرات طوفان الأقصى تعزيز السردية الفلسطينية حول العالم، ودخول مؤيدين لها في مجتمعات وبيئات كانت لعقود من الزمن العصب الرئيس لنشر الدعاية الصهيونية. ومن أبرز هذه البيئات الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والغرب ككل، حيث انتفض طلاب هذه الجامعات وأساتذتها مطالبين إداراتها بوقف الاستثمارات الإسرائيلية فيها وطرد المؤيدين لها، معلنين دعمهم المطلق للقضية الفلسطينية وعدالة نضال شعبها.
كما كشفت معركة الطوفان عن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية في رعاية الإرهاب، ودعم القتلة المجرمين في كيان الاحتلال، فقد تبنت واشنطن كل الخطط الصهيونية منذ بدء الطوفان وحتى اليوم، مقدمةً الدعم السياسي والمادي والاقتصادي والعسكري. ولعل ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن في بداية معركة الطوفان يؤكد هذه الحقيقة: “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لأوجدتها اليوم”. لذا، عملت واشنطن على إسكات كل الأصوات الرافضة للحرب حول العالم، وعطلت مجلس الأمن الدولي، ومنعته من إصدار أي بيان يدين الجرائم الإسرائيلية ويطالب بوقف الحرب الهمجية على أهل القطاع، وهذا ما سمح للاحتلال بالتمادي في القتل والإرهاب في غزة. والأخطر من ذلك، أن واشنطن استغلت معركة طوفان الأقصى لإعادة إنتاج مشاريعها في المنطقة بالاعتماد على الإرهاب الإسرائيلي، في محاولة لترميم الفشل الذي لحق بمشاريعها السابقة، وإنتاج شرق أوسط جديد يخدم مشروعها الاستعماري.
إن الحرب على غزة كشفت أن المقاومة الفلسطينية، بالتعاضد والتكافل مع أخواتها في العراق واليمن ولبنان، استطاعت إدخال العدو الصهيوني في حرب استنزاف طويلة الأمد لا يستطيع تجاوز آثارها في الوقت القريب، كما أكدت هذه الحرب حقيقة ثابتة وغير قابلة للكسر، وهي أن الترهيب والقتل والإجرام لن يمنع أصحاب الأرض من الدفاع عن حقهم واستعادة أراضيهم المحتلة، وأن فقدان القادة لن يزيد المقاومين إلا عزيمة وإصراراً على مواصلة المقاومة. في النهاية، الكلمة الأولى والأخيرة ستكون للميدان.