زوات حمدو: أشباه الشعراء دخلوا دوحة الشعر من النوافذ الخلفية
ملده شويكاني
“الشعر مرآة الروح وانعكاس لها، وهو مرحلة من مراحل الإعجاز في اللغة، وهو الحركة والموسيقا والتحليق في الفضاء”.. هكذا هو الشعر من وجهة نظر الشاعرة والكاتبة والمشاركة الدائمة في الأمسيات الشعرية والفعاليات الثقافية زوات حمدو، والتي صدر لها أربع مجموعات شعرية في سنوات الحرب هي “مقام الياسمين”، و”قيثارة وطن”، و”من يقرأ كف العرافة”، و”أسماء لامعة في سماء المدينة”.
تميّزت حمدو بكتابة الشعر العمودي المقفّى، فكتبت عن الحبّ والحرب، وتأثرت بحرب غزة وخصّتها بقصائد عدة، منها “غزة غزية”:
عربية الإيقاع والتدوين
صانت حمى الأقصى بغير معين
قهرت كيان الغاصبين وأظهرت
عجز الطغاة أمام أهل الدين
طفل الحجارة قال كلمته فما
أبقى على المتبجج الصهيوني
ومن حكايتها مع الشعر بدأت حوارها مع “البعث”: “مذ كنتُ في المرحلة الإعدادية كان لديّ شغف في المطالعة وقراءة الشعر داخل المقررات الدراسية وخارجها، وفي المرحلة الثانوية بدأت بكتابة الخاطرة والنصوص النثرية وتدوينها في مفكرتي اليومية، لم أستطع إكمال تعليمي، إذ تزوجتُ في سنّ مبكرة وكوّنت أسرة صغيرة، وبعد انقطاع أربع عشرة سنة حصلت على الثانوية العامة، ومن ثم التحقتُ بالجامعة بكلية التربية، وحالياً أتابع بدراسة علم نفس الأطفال، وكان فاتحة الانطلاق مقال كتبته لصحيفة “الوحدة” بعنوان “الحب بين العقل والعاطفة”، ثم تتالت كتاباتي بالصحف والمجلات داخل سورية وخارجها، بالإضافة إلى مشاركاتي بالأمسيات الشعرية، وحصلتُ على تكريمات من جهات رسمية متعدّدة، وقد ساعدتني القراءة على تمكين قدراتي الإبداعية وألّا أكون نسخة مصغرة عن أحد”.
ومن ثمّ تابعنا عن كتابتها الشعر العمودي في الوقت الذي غالبية الشعراء فيه يكتبون قصيدة النثر، فعقبت بأن “الموهبة وحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى زاد معرفي ولغوي وتاريخي وإلى مطر من القراءة لمختلف شؤون الثقافة والتاريخ والفلسفة والجغرافيا والسياسة والأدب والموسيقا، لتصنع نبعاً يجري في بحيرة النصّ، فالثقافة هي الوسيلة المثلى للارتقاء والالتقاء مع الآخر، وأنها تحديداً لذات الإنسان الإبداعية وعلاقاته مع نظرائه في الطبيعة وما وراء الطبيعة من خلال تفاعله معها وعلاقاته بها وتأثره بها”.
وتضيف: “بينما الأدب يكون مرآة المجتمع وتوثيق الواقع يتأثر ويؤثر به، أما الأديب فيفترض أن يكون مجمعاً فكرياً عالي المستوى لكلّ مجالات الحياة، فقرأتُ الشعر العربي قديمه وحديثه، وطالعتُ الأدب العالمي بكل أشكاله وألوانه، فانتهجتُ طريق أسلافنا في الشعر العمودي والقصيدة الموزونة والبحور الخليلية، لما لها من امتداد لتراثنا العربي الأصيل ولتاريخنا الحضاري العريق، فضلاً عن أن القصيدة العمودية تتسم بصفة الديمومة”.
ولم تقتصر تجربة حمدو على الشعر فقط، إذ كتبت الومضة الشعرية القائمة على التورية والدهشة، منها: “نبضات لوحتها من جدران أيامه، لونها بمداد صبره، استلّ ريشة ومزج كل ألوان عمره في إطارها، رحل وترك للأجيال القادمة فكّ شفرة لغزها”، وترى أن “الومضة الشعرية عنصر مهمّ في الإبداع الشعري ووسيلة من وسائل التجديد الشعري وشكل من أشكال الحداثة الشعرية، تتجسّد في لحظة ما أو موقف ما، يلتقطها الشاعر بعينه الخاطفة ويترجمها بأسلوب شعري قصير ومعبّر بألفاظ قليلة تعتمد على التكثيف العالي والإبهار، وتعدّ أصعب من القصيدة أو النصوص القصيرة، لأنها تتطلب ثقافة عالية من الشاعر وتظهر قدرته على كتابتها بحرية وخيال شعري، وهذا الأمر لا يقتصر على الومضة الشعرية، فهناك الشذرات والبرقية والتوقيع والماسة الشعرية التي تمتاز بالإبهار والدهشة، وهذا ما أشار إليه الفيلسوف أفلاطون بأن الدهشة هي منبع الفكر والفلسفة، وأكده أرسطو أيضاً بأن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف، ونستحضر ما خطته نازك الملائكة إحدى رائدات الشعر العربي الحديث بمجال الومضة الشعرية”.
وتتميّز حمدو بالمشاركة الدائمة بالأمسيات الشعرية، وترى أن المشهد الشعري ينطبق عليه القول “سوق الشعر كاسد”، على الرغم من هذا الضجيج الذي نشهده على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، والتزاحم على المنابر الثقافية، ونرى الاستهزاء الواضح والجارح بالشعر والنقد الأدبي، فالجميع يريدون أن يصبحوا شعراء ونقاداً وكتّاباً وصحفيين، وأن يحملوا شهادة الدكتوراه من دون جهد، إذ نفاجأ كل يوم بأسماء شعراء جدد، فيما مضى كان عدد الشعراء الحقيقيين لا يتجاوز عدد أصابع اليد، اليوم من كلّ بيت يخرج أكثر من شاعر ويقدمون ما يشبه الكارثة، والأمر ببساطة قائم على نسخ ولصق ويعللون الأمر بتوارد خواطر، فأشباه الشعراء دخلوا دوحة الشعر من النافذة الخلفية وتصدّروا المنابر، وخاصة في الملتقيات الثقافية والمنتديات الأدبية القائمة بأغلبها على الشللية والمحسوبيات والصداقات النفعية، وفي نهايتها كتابات إنشائية، لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن بالمقابل لا نستطيع إنكار وجود مجموعة من الشعراء الذين أغنوا المشهد الشعري، وبرأيي دمشق مدينة السحر والشعر والجمال كما سمّاها محمد كرد علي، بالإضافة إلى قوة الثقافة السورية ودور الجامعات السورية، ما أدى إلى إنشاء جيل واعٍ ومثقف من الشعراء، على الرغم من أن لدى بعضهم ضعفاً بقواعد اللغة العربية والنحو والصرف، وهذا يعالج، أما فيما يتعلق بالديباجة الشعرية والموسيقا وذائقة المفردات، فهو أمر جيد مقارنة مع البلدان العربية الأخرى”.
وختاماً مع الحب الذي يبقى أجمل شيء بالحياة، تقول حمدو في قصيدتها “هل لي غريم” التي تبوح بها بغرامها وتخاطب القارئ الخفيّ بمفردات النوى والجوى والمدى:
ويسبقني الهواء لمقلتيه
ينالهما وتشمتُ بيّ النجوم
بريق عيونه يجتاح روحي
وينعشني إذا عبر النسيم.