تمرّد الأبناء.. صراع داخلي يتحول إلى “معركة” مع الآباء!
ليندا تلي
لا شكّ في أن ثورة المعلومات ووسائل الاتصال والفضائيات غزت كلّ بيت، وكان أحد أخطر آثارها على الأبناء، ومن هذه الآثار السلبية “تمرد الأبناء”، حيث تمثّل ذلك بخروج الأبناء عن السلطة الضابطة ضمن الأسرة وخارجها في المدرسة والملعب والجامعة وغيرها من الأماكن، كأن ترى في نموذج مصغّر أفراد أسرة في بيت واحد، ولكن كلّ واحد منهم يشعر وكأنّه نزيل فندق، في ظلّ غياب حقوق وواجبات متبادلة بينهم، فما بالك على نطاق مجتمع، فمن يتحمّل مسؤولية تمرّد الأبناء على آبائهم، وهل هي ظاهرة سلبية بالمطلق أم لها جوانب إيجابية؟!.
لا مبالاة وسطحية
يبدو أنّ هذا الجيل غير قادرين على أن نحكمه بفعل التكنولوجيا التي تولّت مسؤولية تربيته في ظل انشغال الأهل، هكذا بدأت “مها. س” حديثها، شاكية من تمرّد أبنائها إثر غياب والدهم عن البيت لساعات الليل الطويل بحكم الظروف المعيشية القاسية، فيما ترى “سونيا” معالم فوضى يقودها العقل والقلب داخل أبنائها عبر إحساس اللامبالاة والسطحية واللامسؤولية، ورفضهم للصحيح وعمله والقسوة والجحود، حيث باتت تسمع كلمات “عادي، أنا حر” من أبنائها وبلا أدنى شعور بالخجل من والديهم.
تفرّد وكسر القواعد
يعتبر تمرّد الأبناء مشكلة كبيرة تواجه الأهل بالدرجة الأولى والمدرسة والمجتمع بالدرجة الثانية، باعتبار أن التمرّد يختلف عن كونه مطلباً فيزيولوجياً للنمو في مرحلة من مراحل العمر، ولكن قد يكون مسمّى الاستقلالية أو الاعتماد على النفس أو إثبات الذات أقرب في حال كان هذا ناتجاً عن عوامل نفسية إيجابية للتفرّد بالشخصية والاعتداد بها، ولكن عندما يتحوّل هذا التفرّد إلى التمرّد والتمادي في كسر القواعد وبنود الالتزام ورفض الخير واستبداله بالسلوك العنيف أو السلبي، هنا تكون المشكلة، وفق ما ذكرت الاختصاصية التربوية ديمة الغزاوي، مضيفة: قد تكون مورثات الابن قاسية وبعيدة، وحياة طفولته وشبابه خالية من الخير والخلق الحسن، وغياب القدوة الحسنة وتقليد البائسين والمشي على طريقهم، وأمراض نفسية، وسوء التغذية وتقلّبات المزاج الحادّة ونقص المواد اللازمة للشعور بالراحة والسعادة، ورفاق السوء والتعلّق بالهاتف الجوال بطريقة سلبية، إضافة إلى بعض الأمراض الناجمة عن ظروف الحمل والولادة وسنين عمره الأولى، كلّها أسباب شخصية تدفعه على التمرّد، وحمّلت الغزاوي الأسرة مسؤولية هذه الظاهرة من خلال قلّة وعي الوالدين بأصول التربية لكلّ مرحلة عمرية، و”الدلال” الزائد وتلبية جميع احتياجات الطفل وإفساده بتغييب شخصيته في الاعتماد على نفسه، مما يجعله كائناً متطفلاً وغير قادر على العطاء أو القيام بواجباته بالحدّ الأدنى، ومع مرور الوقت يصبح من الصعب بقاؤه ضمن الحدود التي رسمها والداه، إضافة إلى القسوة في غير أوانها التي تمحو وجوده وتحوّله إلى كائن يعمل على (الريمونت)، ومع الوقت سيكسر هذا الجهاز ويحاول إثبات ذاته بالطريقة الخاطئة، إضافة إلى غياب الحوار والتفاعل الأسري وعدم وجود مساحة للطفل في العائلة، أما اللوم الكيير فقد ألقته الاختصاصية على المجتمع في دفع الأبناء إلى التمرّد عبر تهميشه الفئة العمرية من خوض غمار الحياة وعيش التجارب وزيادة الخبرات، ومع الوقت يكبر المراهق فجأة، وإذ به يحاول أن (يحوش الحياة) دفعة واحدة ويريد أن يكبر دفعة واحدة، ويرفض أن يبقى تحت جناح أحد، إضافة إلى قسوة المجتمع المحيط والتعامل معه كطفل صغير لا يتحمّل المسؤولية، عدا عن غياب القيم العليا وانتشار السخافات بسرعة كالأوبئة بحيث تسطّح كلّ ما هو مفيد وتعظّم ما هو (تافه)، وتساهم (السوشال ميديا) في ذلك، وقلّة ممارسة النشاط البدني والذي يلعب دوراً في توازن الروح المعنوية والثقة بالنفس وضبط الانفعال، والانقطاع عن العلم والتوّجه للفراغ قبل إتمام سن الثامنة عشرة.
توازن بين جيلين
“لا تعلّموا أولادكم ما تعلّمتم فإنّهم يعيشون لزمان غير زمانكم”، بهذه المقولة المأثورة لخّص الدكتور فؤاد غريب اختصاصي طب الأسرة العلاقة الحدّية أو الفاصلة بين الآباء والأبناء، إذ هي ليست علاقة تمرّد بقدر ما هي علاقة توازن دقيق بين جيلين، جيل لزمن مضى وجيل لزمن قادم، مضيفاً أن مصطلح التمرّد يرتبط بالجوانب السلبية دون الإيجابية، لافتاً إلى أنه لا يمكن اعتبار تمرّد الأطفال مرتبطاً كلياً بالعناد المطلق، فالتمرّد فيه جانب إيجابي كبير إذا استطاع الأهل غرس أسس توجيهه منذ الطفولة، وأيضاً أساليب التربية التي يتبعها الوالدان لها دور كبير في تفاقم الجوانب السلبية للتمرّد، فتمرّده دليل على صحته النفسية والفكرية وتطور شخصيته وذكائه. ولفت غريب إلى أن تمرّد الطفل يأخذ مظهر المعارضة، فهو يعارض الأبوين تلقائياً ولا يريد الخضوع لهما ويبتزّهما باستعمال كلمة “لا” كي يعبّر عمّا يشعر به وهي مُرهقة للوالدين ولكنّها في الوقت ذاته ضرورية للطفل، إذ من خلالها يبني شخصيته، مؤكداً أنّ الطفل الذي يتمتّع بشخصية قوية لا يقبل أن يُفرض عليه أي رأي، غير أنه يلين لو استخدمت معه لغة المشاعر والحب.
تدني المستوى المعيشي
يعتبر الفقر والحرمان والقسوة الزائدة من الوالدين وتدني المستوى المعيشي من أهم أسباب تمرّد جيل الشباب، وفق ما ذكرت المرشدة الاجتماعية نُسيبة مسلم، إضافة إلى ضعف السلطة الأسرية وغير الأسرية وتراخيها وانحراف الآباء والأمهات والخصومات الزوجية وإعطاء الحرية للأبناء بقدر أكبر من حاجتهم إليها، والدلال أو الإهمال الزائد، والتفريق بالمعاملة بين الأخوة والمقارنة بين الأقارب وتقليد الابن لسلوك والديه، والانفتاح الزائد وتغيّر الأوضاع واندماج ثقافات أخرى مع ثقافاتنا، ما يؤدي إلى فساد عميق لأنه كتلة شهوات وفاقد للتوجيه الصحيح.
صور التمرّد
التمرّد بنظر الشباب اليوم شيء طبيعي، فهو انتقام للواقع الذي يعيشونه، ونوع من حماية الذات، لأنّهم بحاجة إلى الكلام الجيد والمدح، وبنظرهم يجلب أسلوب التمرّد المدح لهم من الخارج، وهناك عدة صور تعكس تمرّد الأبناء مثل عدم طاعة الوالدين والعناد وشتمهما وضربهما وعدم الالتزام بقوانين البيت والانحراف وتعاطي المخدرات والتسرّب من المدرسة وبعض السلوكيات السيئة مثل السرقة والتخريب.
أبناء بارّون
ولصنع أبناء بارّين نصحت مسلم الآباء باستعمال اللين والحزم في المعاملة مع الأبناء لإعطائهم الحرية المناسبة لهم، وتشجيعهم على السلوك الإيجابي، والعمل على تعديل السلوك السلبي وعدم توجيه النقد والتوبيخ الدائم، ويجب أن يكونوا المؤثر الأول في حياة الأبناء لأنّهم أهم أهداف الحياة، ولكن في هذا الزمن لا نستطيع أن نعمّم هذا، فالكثير من الأهل جاهدوا في تربية أبنائهم وإصلاحهم، ولكن المؤثرات الخارجية وضغوطات الحياة كانت أقوى، وللموضوعية النسبة الأكبر من الآباء يصنعون أبناء بارّين والعكس صحيح، لأنهم ضبطوا سلوكهم في صغرهم وفي مراهقتهم ومعظم أخطاء الأبناء سببها الآباء، ولا بدّ أن تكون التربية حكيمة وغير متناقضة، باعتبار أن الأبناء نسخة مصغرة عن الوالدين، وهم مرآة لهم يقلّدونهم بالفعل الصادر عنهم أكثر من تطبيق نصائحهم، لذا يجب على الآباء أن يعكسوا صورة إيجابية لأبنائهم، ولا بدّ أن يكونوا قدوة جيدة لهم لأنهم سوف يمشون على خطاهم: “يا بني انتبه ألا تتعثر في الطريق.. بل انتبه أنت يا أبي أين تضع خطواتك فأنا اتبعك”.