قراءة في كتاب “طوفان الأقصى”.. جهود فصائل المقاومة وجبهات الإسناد وجهود المقاطعة
بشار محي الدين المحمد
صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق كتاب “طوفان الأقصى”: قراءة في مشروعيته وآثاره للدكتور إبراهيم ناجي علوش، وللأمانة فقد احتوى الكتاب على جهود كبيرة لمؤلفه مع ملاحظة أن كلاسيكية العنوان وجفاف وأرشيفية مدخله قد أثرت على عنصر التشويق وبث المعلومة المحوكمة بداخله، فيما نرى تألقلاً في ربط وتحليل الأحداث والمعلومات بالانتقال إلى الجبهات المساندة والمنبثقة عن “طوفان الأقصى”.
تناول الكاتب تفنيداً دقيقاً لشبهات أثيرت من أطياف كثيرة بما فيها الفلسطينية حول عملية طوفان الأقصى، ومحاولات التقليل من شأنها ووزنها الاستراتيجي، وخاصة أن العدو الصهيوني استغل تبعاتها في تدمير البنى التحتية في غزة، وإبادة عشرات الألوف من شعبها الأعزل بحجة “القضاء” على المقاومة، مبرهناً بعدم صحة تلك الافتراضات بقرائن عديدة، أهمها أن هذه العملية سبقتها خروقات كثيرة من جيش الحرب الإسرائيلي وتحديداً ضد قطاع غزة، فعلى سبيل المثال لا الحصر حدث قبلها اختراق بري وقبله أيضاً محاولات للقتل والاقتحام، ناهيك عما يحدث في الأرض المحتلة من حملات قتل وتهجير واعتقال منذ عام 1948، حيث تناسى أولئك المنتقدون أهمية العملية في تعرية ضعف وهشاشة الكيان الصهيوني بعد تعرضه لزلزال وجودي بما للكلمة من معنى، مكلفاً الكيان مئات القتلى وآلاف الجرحى وخسائر وهزات اقتصادية لا تحصى رغم الدعم الأمريكي والغربي له، ويعود علوش للتأكيد بأن بوصلة النضال الفلسطيني لن تخيب مهما تعددت وجهات النظر لطالما أنها متجهة نحو قتال الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي هي جديرة بوقوفنا معها.
مقاربة الشأن الفلسطيني
لقد تبنى الكتاب مقاربة للشأن الفلسطيني عبر ربط ما حدث خلال العملية بما أقدم عليه العدو الصهيوني منذ عام 1948 واحتلاله الأرض الفلسطينية وتهجير وقتل وأسر شعبها، وبالتالي أحقية فصائل المقاومة في كل ما خاضته وتخوضه من معارك وعمليات بطولية ضده وصولاً إلى “الطوفان”، إذ تؤكد هذه المقاربة الخطأ الفادح في قراءة المشهد على أن المستوطنين “مجرد شعب مدني أو مسالم لا ذنب له” وأنه موجود على هذه الأرض بفعل أجداده ولا يمكن محاسبته بهذه الطريقة، فيما يؤمن أصحاب المقاربة الفلسطينية بأن هؤلاء احتلال واستعمار ولا غضاضة في مقاومتهم طال الزمان أم قصر.
على المقلب الآخر يطل أصحاب المقاربة الليبرالية الذين يدعون “قداسة وسلامة الأفراد”، حتى لو كان ذلك على حساب مجتمعات وجماعات قومية متكاملة، وفي الوقت ذاته يناقضون أنفسهم في الدفاع عن أقليات دون وجه حق، وعلى رأسهم “مثليو الجنس” و”اليهود”، حيث انبرى أصحاب هذه المقاربة بالدفاع عن الشعب اليهودي وسلامته وأنه من غير الممكن طرده من هذه الأرض، فيما بين الكاتب أن هؤلاء تناسوا حق شعب بأسره تم قتله وتهجيره من أرضه على عدده وأكثريته، ما يدلل على سياسة الكيل بمكيالين لليبراليين وفساد طروحهم.
فشل السردية الصهيونية
تضمن الكتاب مناقشة فرضيات ومقاربات عميقة مثل التشكيك بفصائل المقاومة من باب التطرف، مدللاً على فشل هذا الطرح عبر تأكيده أن جميع الفصائل وبغض النظر عن خلافها السياسي يوحدها هدف واحد يتمثل في تحرير الأرض العربية المغتصبة، موضحاً أن الخلاف السياسي يمكن مناقشته وحله لاحقاً من بعد إتمام هذا الهدف المنشود لدى الجميع.
وأشاد علوش بالتضامن العربي والإسلامي والعالمي على المستوى الشعبي مع المقاومة والشعب الغزي في محنته لأسباب عديدة، أهمها المجازر غير المسبوقة المرتكبة بحقهم، والنقمة على الإعلام الغربي وسردياته التي لم تعد مقنعة حتى لجمهورها الذي طال خداعه وتدجينه على مسايرة ما يرسمه ساسته من سياسات استعمارية فتكت بالشعوب في كل بقاع الأرض.
ولفت الكتاب إلى السردية الإسرائيلية المتبناة في وجه “طوفان الأقصى” عبر ما تسمى “سيوف من حديد”، شارحاً الدلالات الإرهابية لهذا المصطلح، الذي يتضمن ادعاءات بأن الروايات التوراتية حرّمت على “شعب إسرائيل” صناعة سيوف الحديد لمقاتلة شعب فلسطين قبل آلاف السنين “حسب زعمهم”، والآن فقد حان الوقت وبـ”أمر إلهي” لمقاتلتهم ودعوة الطيور إلى وليمة لأكل أشلاء أطفالهم “حسب زعم روايتهم” المشبعة بالفكر الإقصائي المريض.
تداعيات الطوفان
ثم ينتقل الكتاب لمناقشة كم غزير من الطروح والتحليلات المتعلقة بتداعيات العملية على صعيد المنطقة والعالم، ابتداءً من جبهة الإسناد على مقلب المقاومة الوطنية اللبنانية، منوهاً بالمحاولات التحريضية ضد هذه الجبهة ليس الآن، بل منذ عقود طويلة وفق حجج كثيرة ومتنوعة ليس آخرها، التأكيد على “عدم لبنانيتها” و”تبعيتها لقوى خارجية” و “عدم شرعية سلاحها”، وتحريض الجيش اللبناني على الوقوف بمواجهتها ونزع سلاحها، والتجييش الطائفي ضدها، مع طرح حجج واهية على عدم قدرة لبنان “كبلد صغير” على مواجهة الكيان الصهيوني.
ليبحث الدكتور علوش في كتابه احتمالات فتح وتوسيع الجبهة الشمالية للكيان، محذراً من التهاون مع هذا الطرح بأي شكل، ومستنداً إلى ما تنشره مراكز أبحاث العدو من معلومات ترجّح ذلك، كما أكد صوابية موقف المقاومة في إستراتيجية مشاغلة العدو على تلك الجبهة وفق قواعد اشتباك دقيقة مع ضرب تجهيزات التجسس الإسرائيلية على كامل ذلك الخط كخطوة إستراتيجية هامة، كذلك أبدى مخالفته لعديد من آراء المحللين السياسيين والعسكريين الذي رجحوا عجز العدو الصهيوني عن فتح هذه الجبهة لأسباب عديدة أولها أن أغلبية الرأي العام في الكيان يدعو لفتح هذه الجبهة، بل أكثر من نصفهم دعوا لفتحها مباشرة ودون انتظار، ما يدعم التوجهات المجنونة لمجرم الحرب نتنياهو ورغباته في توسيع الصراع، عبر فتح جبهة صاروخية ومدفعية شاملة، مع عملية اجتياح بري للمناطق في جنوب الليطاني، وخاصة أنها أماكن غير مكتظة، ولا تتضمن مدن وأبنية على غرار غزة، حيث يظنها العدو هدفاً سهل المنال ويمكن تحقيقه.
الجبهة اليمنية
يكمل الكتاب ربطه لجبهات الإسناد ودراسته لأثرها على المنطقة والعالم، ولا سيما الجبهة اليمنية مبرزاً جهودها في ضرب قواعد العدو في البحر الأحمر التي تهدف للتجسس وقطع إمداد قوى المقاومة في المنطقة، ونوعية أسلحتها وطول مداها إلى آلاف الكيلو مترات، محققة قوة ردع وعرقلة للمشروع الصهيو- غربي في حوض البحر الأحمر وبحر العرب، فضلاً عن الأهداف المتحققة اقتصادياً وعسكرياً، ما يفسر العدوان الأنغلوساكسوني ضد اليمن وقصفه المتكرّر لأراضيه، ومحاولاته للتجييش الدولي ضد اليمن وتبرير العدوان على أراضيه وبناه التحتية.
كذلك ناقش الكتاب مواضيع متنوعة كالجوانب القانونية وإجراءات محاكمة الكيان عالمياً، وأهمية دعوات المقاطعة، والتفريق بين الصبر الاستراتيجي، وأي محاولات تسليم وانهزام لصالح مشاريع التطبيع والتعايش مع العدو.