دراساتصحيفة البعث

معادلة الردع المدني .. هل دخلت حيز التنفيذ؟

د.معن منيف سليمان

لا تزال ورقة استهداف المدنيين تشكّل نقطة الضغط الأبرز التي يمتلكها العدو الصهيوني بوجه المقاومة، وفي الحالة اللبنانية والفلسطينية تحديداً، فإنّ استهداف المدنيين من قبل آلة القتل الصهيونية هو إستراتيجية قائمة بذاتها تحمل أهدافاً متنوعة تتراوح ما بين الإبادة إلى الإرهاب الجماعي، والضغط السياسي عبر زيادة الأعباء على حاملي السلاح.

وقد دخلت المستوطنات الصهيونية قائمة الاستهداف للمرة الأولى منذ عام، على الرغم من أن المقاومة الوطنية اللبنانية تؤكد أن الأهداف كانت عسكرية، وذلك بالتزامن مع قصف متواصل ينفّذه سلاح الجو الإسرائيلي للضاحية الجنوبية لبيروت، في محاولة لاستعادة الردع، بعدما انتهت قواعد الاشتباك التي كان يُعمَل بها.

ولطالما أعلنت المقاومة الوطنية اللبنانية إطلاقه صواريخ ضد قواعد عسكرية قرب حيفا، سواء في شمالها أو جنوبها، لكنها المرة الأولى التي تسقط فيها صواريخ وسط المدينة.

الردع بالقوّة بالنسبة للمقاومة الوطنية اللبنانية جاء بقصف حيفا المحتلة بعدما وسَّع الجيش الإسرائيلي في الأسبوعين الأخيرين دائرة القصف إلى مناطق مدنية واسعة في لبنان، في الجنوب والبقاع وجبل لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت التي تعرضت لأعنف غارات خلال الأيام الأخيرة.

قادت تلك التطورات إلى التساؤل عما إذا كانت معادلة “الضاحية مقابل حيفا والمستوطنات الأخرى” التي كان قد تحدثت عنها المقاومة الوطنية اللبنانية في مرحلة سابقة، قد تم تفعيلها كما توعد الشهيد السيد نصر الله، وهي شكوك لا ينظر إليها خبراء عسكريون بجدية في هذا الوقت، على الرغم من تقديراتهم بأن قصف حيفا “تطور استراتيجي” بعد عام على انخراط المقاومة الوطنية اللبنانية في معركة إسناد ودعم لقطاع غزة، إذ حيَّدت المقاومة الوطنية اللبنانية طوال تلك المرحلة المستوطنات.

إن قصف المستوطنات يندرج ضمن إطار التطور التصعيدي، وينظر إليه على أنه محاولة “ردع مدني” للكيان الذي ينفذ قصفاً يهدف من ورائه التدمير العشوائي على سائر الأراضي اللبنانية. وهو محاولة لاستعادة الردع الذي انتهت مفاعيله عند المقاومة الوطنية اللبنانية في 17 أيلول، حين بدأ الكيان تصعيداً كبيراً في الضاحية بتنفيذ عملية “البيجر”، وما تلاها من اغتيال لقادة “وحدة الرضوان”، واغتيال سماحة السيد حسن نصر الله. ويبدو أن الردع انتهى، بدليل أن العدو يكمل عملياته الجوية ويقصف في كل المواقع من دون ضابط، وذلك بعد انتهاء قواعد الاشتباك التي كان يُعمَل بها في مرحلة سابقة قبل الحرب، لذلك يبدو أن قصف حيفا وغيرها من المستوطنات هو أمر رادع يخشاه العدو ويكبح جماحه.

إن المقاومة الوطنية اللبنانية تمتلك صواريخ دقيقة وباليستية لديها قوة تدمير كبيرة؛ لكنها لم تستخدمها حتى الآن، على الرغم من الإفراط الصهيوني باستخدام القوة قتلاً وتدميراً، ولكن الشهيد السيد نصر الله كان في وقت سابق يضع عوائق أمام قصف المستوطنين في حيفا والمستوطنات الأخرى، وكان يمارس دور ضابط الإيقاع؛ أما الآن وفي ظل استمرار التصعيد الصهيوني، فإن قصف المستوطنات بات أمراً طبيعياً، على الرغم من أنه لا يرتقي إلى مستوى القصف الوحشي الصهيوني على جبل لبنان والضاحية والبقاع والجنوب.