الفكر الاستيطاني يُزرع منذ الصغر.. “ألون ولبنان” وما خفي من الأطماع!!
رغد خضور
التهجير والطرد والاستيلاء على الممتلكات والأراضي هو صلب الفكر الصهيوني المؤسس لكيان الاحتلال، هذا الكيان الذي انتهج سياسته بطرد أهالي فلسطين من أراضيهم بحجج ودعاوى تاريخية ودينية مزعومة، يحاول اليوم بالأوهام ذاتها توجيه أنظار مستوطنيه نحو أراض شعب أخر، وبالتحديد جنوب لبنان.
الترويج لفكرة لبنان كوطن يهودي وجزء من أرض “إسرائيل” الكبرى، بدأت تظهر على العلن، بعد عملية طوفان الأقصى وفتح جبهة الإسناد اللبنانية، على أيدي مستوطنين أسسوا لحركة تدعو للاستيطان في جنوب لبنان، بزعم “استقرار دولتهم لأجيال”.
هذا ما يسعى له الكيان ومستوطنيه، ضمان أمنهم لأجيال، وفي سبيل ذلك يعززون الفكر الاستيطاني في عقول صغارهم حتى يضمنوا هذه الاستدامة في أفكارهم المسمومة.
وأخر ما يمكن ذكره في هذا السياق، ما نشره أحد أبرز نشطاء حركة “أوري تزافون”، عاموس عزاريا، الذي قام بتأليف قصة للأطفال بعنوان “ألون ولبنان”، تتحدث عن طفل يدعى “ألون” يسكن في مستوطنة “مسكاف عام” بالجليل الأعلى، يحلم بالذهاب إلى لبنان، إلا أن والده يمنعه من ذلك بحجة أنه خطر عليه فـ”العدو لا يزال هناك” و”إنه ليس لنا بعد”.
هذا الكتاب الموجه للأطفال من عمر السنتين حتى ست سنوات، يهدف إلى تعزيز حلم احتلال لبنان في أدمغة أطفال المستوطنين منذ نشأتهم، وغرس نزعة الاستعمار في نفوسهم باعتبارها حقاً لهم، باختصار إنهم يعدّون أطفالهم لاحتلال لبنان.
ولطالما ربى الصهاينة صغارهم على أفكار الاستعمار والاحتلال، وحشو رؤوسهم بأوهام حول حقوق لا وجود لها، وبأن دول الجوار هي من ضمن ممتلكاتهم، ومن الواضح أن الاحتلال وقياداته بدأ يفقد قاعدته من المستوطنين الذي نالوا من ضربات المقاومة ما نالوا، ولم يعودوا يأبهوا بأمنيات قياداتهم ومؤسسيهم وأحلامهم شيئاً، لذا كان لا بد لهم من التوجه إلى الجيل الناشئ لضمان استمرار مخططاتهم.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مناهج التعليم في الكيان تهدف إلى تنشئة جيل عنصري متعطش للحرب، كوسيلة للدفاع عن “حقوق” يرونها شرعية، وتشويه صورة العرب الذي يرون أنه من الضروري طردهم وقتلهم وتهجيرهم، وبالعودة إلى “ألون ولبنان” فإن الكتاب ينتهي باكتشاف الطفل المستوطن بأنه للذهاب إلى لبنان والعيش فيه عليه القضاء على المقاومة.
الحركة الداعية للاستيطان تريد غزو جنوب لبنان كخطوة أولى حتى حدود تركيا في الشمال والفرات بالعراق شرقاً، إذ لم يخف مؤسسوها نواياهم، فهم يعملون بشتى الطرق على تعزيز هذه الفكرة وترويجها سواء بين أوساط المستوطنين وحتى خارج هذا النطاق، لدرجة أن بعض مناصريها يستخدمون نقوشاً من كتبهم كدليل على ضرورة الاستيطان في الجزء الشمالي من الجليل – أي جنوب لبنان.
ولكن هل ما يتم طرحه بجديد على الفكر الصهيوني الاستيطاني؟؟ بالتأكيد لا، إذ إن الطرح المتعلق بالاستيطان في جنوب لبنان ظهر عام 1982، حيث استخدم أرييل شارون الحجج ذاتها – تدمير الجنوب واحتلاله لضمان الأمن في الجليل- لاحتلال لبنان.
غير أن الفكرة لها جذور قديمة في مخططات الصهاينة التوسعية، حيث كان نهر الليطاني محل عناية الحركة الصهيونية منذ البداية، وأول من وضع خطة لذلك الصهيوني ماكس بوركات بطلب من تيودور هرتزل، الذي طرح نقل مياه الليطاني إلى نهر الأردن.
هذا الطرح، كما غيره، كان يهدف لضمان الاكتفاء الذاتي للكيان الوليد- آنذاك- من موارد حيوية تلبي طموحاته التوسعية، بحيث يضمن نهر الليطاني والأردن سد النقص في الميزان المائي لجنوب فلسطين وإنتاج الطاقة الكهربائية.
وكذلك جاء في كتاب “أرض إسرائيل في الماضي والحاضر” لديفيد بن غوريون وإسحاق تسفي، عام 1920، أن “الحدود الشمالية للكيان تبدأ من الليطاني”، وجدد بن غوريون هذا الأمر في كتابه “نحن وجيراننا”، عام 1931، الذي عبر فيه صراحة أن “حدود شمال أرض “إسرائيل” يجب أن تكون القاسمية – الليطاني كما يُسميه العرب”.
وعلى الرغم من أن اتفاقية سايكس – بيكو، المشؤمة أيضاً، وضعت حداً للآمال الصهيونية، إلا أن الحركة لم تتوقف عن محاولة المطالبة بدفع الحدود نحو الشمال، وحتى مع قيام دولة لبنان وترسيم حدوده، بقيت تتردد بين الحين والأخر أفكار عن استيطان جنوب لبنان.
الأطماع الصهيونية في دول الجوار لن تنتهي بالتأكيد باحتلال جزء من أرض أو أراضي دولة أخرى، فأفكار مؤسسي الكيان الاستيطانية، سواء في لبنان أو فلسطين، هي جزء من مخطط أوسع لتغيير جذري وطويل الأمد في الشرق الأوسط.
هذا بعض ما جاء على ألسنة مؤسسي الكيان وقياداته من أطماع استيطانية في أراضي جنوب لبنان، في الماضي، وحتى بالوقت الحالي لا تزال هذه الأفكار موجودة، كما أسلفنا سابقاً، ويمكن أن نشير هنا إلى ما صرح به وزير دفاع الكيان، يوآف غالانت، في اتصال مع شريكه الأمريكي، لويد أوستن، بأن “احتمال الاستيطان في جنوب لبنان قائم”.
كل ما ذكرناه يتكامل فيما بينه ليكون أساس عقيدة الأمن القومي الذي يزعمها الكيان وقياداته، والتي لا تفرق بين الساحات والجبهات والدول، وتتعامل مع المنطقة من منظار شامل ومترابط في حسابات الفرص والمخاطر.
لذا يجب الانتباه والتنبه لما يصدر عن هذا الكيان وقراءة ما بين سطور اعترافاته، خاصة وأن الخطاب العلني ما هو إلا تشتيت عما يتم التخطيط له سراً، وسواء عبر كتب الأطفال أو غيرها فإن الكيان ونشطاء حركاته لا يوفرون جهداً إلا ويزرعون أفكارهم الاستيطانية وينشرونها، ومطامعهم مستمرة في الاستيلاء على الأراضي العربية.