دراساتصحيفة البعث

المنطقة على صفيح حرب واسعة

عائدة أسعد

مرّ عام بالضبط على العدوان الصهيوني على غزة، وعلى مدار العام الماضي امتد الصراع إلى ما هو أبعد من القتال بين المقاومة الفلسطينية و”إسرائيل” بفضل نفوذ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والجهات الأخرى، وتطور الصراع ليمتدّ إلى صراع أوسع في المنطقة.

وكانت النتيجة سقوط عدد هائل من الضحايا المدنيين، وخلق أزمة إنسانية حادة، وحتى الآن لا تظهر أي علامة على تراجع اتجاه تصعيد العنف الإسرائيلي وجرائمه، ففي أعقاب اغتيال السيد حسن نصر الله بضربة صاروخية إسرائيلية، والردّ الإيراني اللاحق بإطلاق الصواريخ الباليستية على “إسرائيل”، يواجه الصراع خطر التصعيد إلى حرب شاملة، وقد دفع هذا الاتجاه الخطير نحو صراع إقليمي بفضل الولايات المتحدة، المؤيدة الثابتة لـ”إسرائيل”.

إن الضرر الذي لحق بالمدنيين نتيجة للصراع العسكري، إلى جانب تدمير منازلهم لا يمكن وصفه، ولا يمكن حساب الضرر الذي لحق بالتنمية الاقتصادية في المنطقة.

تجدرُ الإشارة إلى أنه منذ بدء الحرب الصهيونية، دعت الصين، إلى جانب دول أخرى مسؤولة أخلاقياً، باستمرار، إلى وقف إطلاق النار الفوري، وحلّ النزاع من خلال الوسائل السياسية، مثل المفاوضات، كما اتخذت الصين خطوات عملية لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في مناطق الصراع. ومع ذلك، لم تقبل “إسرائيل” هذه المقترحات العملية لمفاوضات وقف إطلاق النار، أما الولايات المتحدة فقد عرقلت مراراً وتكراراً الجهود المبذولة لتقديم قرار سلام بشأن غزة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من قِبَل الدول المحبة للسلام، الأمر الذي جعل تنفيذه صعباً، كما أدّت الخطوة السخيفة التي اتخذتها “إسرائيل” بتصنيف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كمنظمة إرهابية، إلى جانب قرارها بمنع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من دخول “إسرائيل”، إلى إثارة شكوك جدية حول التزام “إسرائيل” بالسلام، وخاصةً باعتبارها الطرف الذي يتمتّع بميزة عسكرية.

وما زاد من حدة شكوك المجتمع الدولي في استعداد “إسرائيل” للسلام، هو سلسلة “عمليات قطع الرؤوس” التي شنّتها على مدى العام الماضي، وكانت هذه الاغتيالات المستهدفة ضد قيادات المقاومة في فلسطين ولبنان وكبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين بمثابة المحفز الرئيسي لتصعيد الصراع، حيث أثار اغتيال السيد حسن نصر الله، على وجه الخصوص، استياءً عميقاً في مختلف أنحاء العالم تجاه “إسرائيل”. ورداً على ذلك، أطلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وابلاً من الصواريخ الباليستية ضد “إسرائيل”، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها إيران “إسرائيل” مباشرة من أراضيها، وهو تطور قد يحمل أهمية تاريخية، وقد ردّت “إسرائيل” بتصريحات شديدة اللهجة، وهي تستعد حالياً لاتخاذ إجراءات عسكرية انتقامية، لكن إذا ردّت “إسرائيل”، فمن المرجح أن تخلق حلقة أخرى من العنف وردود الفعل المتسلسلة، والتصعيد إلى حرب لا يمكن السيطرة عليها وربما شاملة.

وفي مواجهة الصراع المتصاعد، يظل الحلّ الأكثر فعالية هو وقف إطلاق النار الشامل الفوري، يليه مفاوضات السلام والتنفيذ الجاد لـ حلّ الدولتين، حيث كان هذا هو موقف الصين الثابت والحازم منذ فترة طويلة لإدراكها بأهمية السلام وتجنّب تفاقم الوضع.

وكما ذكر وزير الخارجية الصيني وانغ يي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين في أواخر أيلول: “السلام هو الكنز الأكثر قيمة في عالمنا اليوم وإذا كان هناك ولو بصيص أمل في السلام، فلا ينبغي لنا أن نستسلم بسهولة، وإذا كان لا يزال هناك أدنى احتمال، فلا بد أن نبذل الجهد مائة ضعف”.

ومن أجل السلام في الشرق الأوسط، يتعيّن على الولايات المتحدة، باعتبارها صاحبة مصلحة رئيسية، أن تتخلى عن موقفها المتحيّز بشدة لصالح “إسرائيل”، وأن تتوقف عن تأجيج النار، وأن تتبنى بدلاً من ذلك موقفاً عادلاً ومنصفاً، كما يتعيّن عليها أن تستخدم نفوذها من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط.