فضيلة حكومية؟!
بشير فرزان
لا شكّ أن مجريات الجلسات الحكومية، تنبىء – كما يشاع – بتغيير محتمل في التعاطي الحكومي مع القضايا المفصلية، سواء في الواقع التنفيذي للقرارات والاجراءات الحكومية السايقة، وخاصة لجهة مراجعة بعض الملفات والاعتراف الصريح بخطأ السياسات المعهودة في الكثير من المسارات، وهذا ما يؤسّس – كما يبدو – لمرحلة عمل جديدة عنوانها التصويب والتصحيح، وهذه حالة مبشّرة وتلقى الارتياح والقبول من الشارع السوري، ولكن ما يثير التساؤل تلك الضجة التي تعقب كل جلسة وما يروج له عبر صفحات ومحللين واعلاميين عن قفزة نوعية غير مسبوقة في الأداء الحكومي الذي ابتدأ أولى جلساته بجلسة لم تتضمّن أي حوار يتعلّق بالوضع المعيشي، وما يجري في الأسواق، وهذا يدلّ على إدراك حكومي مسبق بصعوبة هذا الملف، وعدم استعراضه يؤكد هذه الحقيقة، حيث كنّا نتوقغ أن تشهد الجلسة حواراً جاداً في هذا القضية الوطنية بامتياز، فارتفاع الأسعار له النصيب الأكبر في أرق المواطن السوري وزيادة الضغط عليه، إضافة إلى الظروف العامة التي تسيطر على المشهد الحياتي للناس بكلّ تداعياتها وما يتبعها من حالات الانفلات الرقابي التي تزيد من حضور المخالفات في المجتمع.
وطبعاً الفوضى الموجودة في الأسعار، والتي يمكن تعميمها على كافة الأسواق والمنتجات، تفرض ضرورة العودة إلى المربع الأول، كما يقال في قضية الغلاء، حيث يتشارك التّجار المسؤولية مع تلك الإجراءات المالية والاقتصادية الارتجالية، إلى جانب غياب الرقابة.
ولا شكّ أن ضعف دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والجهات الرقابية التابعة لها واضح ولا لبس فيه، حيث وقفت، ولا تزال، موقف المتفرج من تقلّب أحوال السوق والانتهاكات الخطيرة لجداول الأسعار، ولم تقم بأي دور في السيطرة على الأسواق، مع التأكيد على تقديرنا للجهود والمحاولات التي قامت بها في هذا المجال، إلا أن مؤشرات أداء الوزارة خلال الفترة الماضية لا تبشّر بالخير، وواقعها باختصار شديد لم يخرج بعد من دائرة الرقابة النظرية، والمتتبّع لمفاصل العمل فيها وطريقة تعاملها واستجابتها مع متغيرات الأسواق يدرك تماماً أنها “غارقة في شبر ماء”!
ولا شكّ في أن عجزها في إلزام السوق بالتسعيرة التي تنصّ عليها نشرتها التسعيرية، والتي غالباً ما تكون مستوردة من الفضاء الآخر وبعيدة كلّ البعد عن الأسواق، يكشف مدى الخلل في آليات عملها التنفيذي الملاحق دائماً بالتشكك في أدائه وبمشاركته في إحداث الفوضى داخل الأسواق، وبدلاً من تفعيل دورها الرقابي بشكل أوسع لتضييق الخناق على حالات الفساد نجد أنها توفر مساحات واسعة لنشاط وتحركات تجار الأزمات، ولن ننسى هنا النتائج المتواضعة لعملها على تفعيل دور مؤسّسات التدخل الإيجابي التي تحتاج بدورها إلى تشديد الرقابة عليها فيما يتعلق بأسعار البيع وجودة المواد المباعة، فأسعارها ليست بأقل من أسعار السوق، مع قلة المواد المعروضة في هذه الصالات والاكتفاء بأصناف وأنواع محدودة ومحدّدة.
بالمحصلة، نقدّر الاعتراف الحكومي بقصور السياسات السابقة غير كافٍ، خاصة وأن إعادة تسمية اللجان قد يشير إلى مرحلة جديدة من التناقضات التي ستبطئ العمل الحكومي فيما إذا اعتمد نهج نسف ما سبق والدخول من جديد في سباق الإنجاز وسيناريو اللجان والورشات والدراسات وتجميد الملفات.