المنطقة بين “بنيامين” و”بنيامينا”!
أحمد حسن
ربما كان أبرز ما يميز اللحظة الحالية في منطقتنا، بروز ثابتتين أساسيتين تحت غطاء الغبار “الاستراتيجي” الناجم عن ضراوة المعارك الحالية، أولهما أن المعركة الجارية طويلة ومتعدّدة الساحات، وتهدف إلى تثبيت صورة المنطقة على “وهم” أبديّة صورة بنيامين فيها، تحضيراً للتأكيد على الثبات في صورة العالم على وهم أبديّة “الأمركة” فيه، وثانيهما أن كل خطوة يخطوها العدو في هذا السبيل تنقلب فوراً، بحكم إصرار قوى المنطقة الحيّة، إلى صورة “بنيامينا” الواقعيّة.
وبالطبع، فإن ذلك ليس كلاماً مرسلاً، فقد تجلّت الثابتة الأولى بتصفيق الكونغرس الأميركي – وهو “المحفل” العلني للغرب – مرات عدّة، لإعلان “بنيامين” أمامه أن “كيانه” هو المخفر المتقدّم الذي يقاتل نيابة عن الغرب بأسره، وأنه لا يطلب من هذا الأخير سوى مدّه بالحماية العسكرية والسياسية المطلوبة، فيما تجلّت الثابتة الثانية من قاعة قاعدة “بنيامينا” لنخبة “المخفر” العسكرية وهي تتهاوى ليس فقط على من فيها، بل وعلى من هم خارجها أيضاً.
والحال، فإن تلك الثابتتين هما من يحكما إطار الصراع الآن – وأي صراع مشابه في الحقيقة – وهما، بالتالي، من يفسّرا، بعض ما يحدث، انطلاقاً من حقيقة أن الصراع الفعلي يمتد، ولو بنسب مختلفة، على اتساع جغرافيا المنطقة بأكملها، وذلك مثلاً ما دفع “بنيامين” – بما يمثّل – كي يوعز لأذرعه الإعلامية – وهي كثيرة وبعضها ناطق باللسان العربي – بالتحدّث عن توغّل زائف لقواته المحتلة في الجولان، بالتزامن مع تمديد راعيه الرئيسي، أي الولايات المتحدة، ما تسميه “حالة الطوارئ المتعلقة بسورية”، والتي تعني فعلياً تمديد احتلالها للأراضي السورية ورعايتها للمجموعات العميلة والإرهابية هناك، وذلك أيضاً ما دفع نظام “زيلينسكي”، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، إلى مساندة “تنظيم القاعدة” الإرهابي في إدلب، تدريباً وتسليحاً، بهدف عرقلة أيّ انفراجة سياسية وبالتالي تعافي سورية من أزمتها الحالية.
خلاصة القول، هذا سباق حثيث بين صورتين للمنطقة، والعالم من خلفها: الأولى يحاول العدو، بمفهومه الأوسع والأشمل من الكيان، رسمها على مقياس “بنيامين” ذلك المجرم المتفلّت من كل القوانين والشرائع الأخلاقية والإنسانية، والثانية تلك التي ترتسم من أقصى جنوب جغرافية المنطقة إلى أقصى شمالها مروراً بـ “بنيامينا” لتقول لـ “بنيامين”، وسواه، إن المنطقة ومستقبلها، ورغم كل التضحيات، لن تكون إلّا على صورة أبنائها فقط لا غير.