زيت الزيتون.. انخفاض في الاستهلاك المحلي والتصدير لا يزيد عن 20% من الإنتاج!
دمشق – مادلين جليس
هذه المرّة وعلى عكس المرات السابقة، لم يُوضَع قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية – المتضمّن السماح بتصدير زيت الزيتون – موضع الانتقاد من الخبراء والاقتصاديين، بل رحّبت به الأكثرية، على اعتبار أن المنتج متوفر وبكثرة، لكن الأمر الوحيد الذي ينغّص فرحة التصدير أن الكميات المطروحة من المادة في السوق المحلية مرتفعة الثمن، وهي بعيدة كلّ البعد عن قدرة المواطن الشرائية، وخاصة بعد أن وصل سعر “بيدون” زيت الزيتون إلى نحو مليوني ليرة سورية، أي ما يقارب ستة أضعاف راتبه. وهو ما أكده الخبير التنموي أكرم عفيف الذي بدا مرّحباً بفكرة تصدير زيت الزيتون، وتحدث لـ “البعث” عن أهمية الاقتصاد التصديري واصفاً إياه بالاقتصاد السليم.
وأكد عفيف أن المشكلة ليست في تصدير زيت الزيتون من عدمه، بل المشكلة الأساسية تكمن في ضعف القدرة الشرائية للمواطن، خاصة وأن تصدير هذه المادة سيقلّل من الكميات المعروضة في السوق المحلية، وبالتالي سيرفع من سعرها إلى حدود تفوق قدرة للمواطن بمرات كثيرة، خاصة وأن السعر الحالي مرتفع أيضاًَ. أما المشكلة الثانية -بحسب عفيف- فتكمن في ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، وطرح عفيف مثالاً منطقة الغاب التي خرجت من الإنتاج الزراعي بسبب خسائر الفلاحين وارتفاع التكاليف التي وصفها أنها الأعلى في سورية عن كلّ العالم، وخاصة في ظل ارتفاع المحروقات، والارتفاع الكبير في سعر الأسمدة على الرغم من ضعف فاعليتها وجودتها.
تدخل “غير إيجابي”!
ويضيف عفيف أن مؤسّسة التدخل الإيجابي الوحيدة، وهي “السورية للتجارة”، لم تقم بدورها في هذا المجال، ولم تتجه للفلاحين للشراء منهم، بل عمدت إلى الشراء من المصنّعين، وانسحبت من التدخل الإيجابي لصالح الفلاح والمزارع.
وأكد أن سعر الزيت المعبّأ في عبوات بماركات وأسماء معروفة تجارياً يفوق سعر المادة من المنتج مباشرة، متسائلاً لماذا لا تقوم السورية للتجارة بشراء الزيت من المزارعين مباشرة وبيعه من خلال صالاتها، وتحقق بالتالي فائدة مشتركة للمزارع والمستهلك معاً. وعبّر عفيف عن عتبه عما أشيع في الفترات الماضية عن أن زيت الزيتون السوري غير صالح للاستهلاك البشري، خاصة وأنه الأول عالمياً وكل البلدان تشهد بجودته وأصالته ومذاقه الرائع.
وكشف عفيف أن ذلك مرجعه لعدم حضور الوفد السوري اجتماعات تحديد المواصفة العالمية للزيتون، وبالتالي لم يوضع مواصفة لزيت الزيتون السوري وأصبح غير قابل للاستهلاك البشري. وشجّع عفيف على تصدير كلّ المنتجات الزراعية التي يوجد منها فائض في الأسواق المحلية بشرط شرائها من الفلاح بسعر لا يضعه تحت رحمة الخسائر، ولا يوقفه عن الزراعة والإنتاج.
المادة متوفرة.. وبكثرة
عبير جوهرة مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة أكدت أن كميات زيت الزيتون في المناطق الآمنة قُدّرت بنحو 55 ألف طن، مع العلم أن زيتون المائدة عبارة عن نسبة 20 بالمئة فقط من إنتاج الزيتون، أما النسبة المتبقية وهي 80٪ فتخصّص للعصر وإنتاج الزيت، أي إن كمية الـ55 ألف طن هي الـ80٪ المتبقية، مشيرة إلى أن الكميات الموجودة في الأسواق المحلية قُدّرت بشكل تقريبي وتقديري بناءً على عادات الاستهلاك الحالية في السنوات السابقة، وقدرة المواطن على شراء زيت الزيتون التي انخفضت بشكل كبير نتيجة انخفاض الدخل وارتفاع سعر المادة في الأسواق.
وأوضحت جوهرة أن الاستهلاك الفردي كان سابقاً يُقدّر بنحو 5 إلى 6 كيلو للفرد سنوياً، لكن خلال السنوات السابقة انخفض الاستهلاك للنصف ووصل إلى 3 كيلو غرام، مبينة أن هذا الاستهلاك يعتبر متوسطاً، خاصة وأن كمية استهلاك الفرد من زيتون المائدة في أغلب الدول يتراوح بين 2 و3 كيلو غرام سنوياً. وأضافت: هذا المتوسط يدلّ أننا بحاجة لكمية في الأسواق الداخلية تُقدّر بـ 48 ألف طن، أما المتاح للتصدير عن الإنتاج في عام 2024 فهو نحو 7000 طن، ولكن الموسم السابق بقيت في المخازين كميات كبيرة حتى هذا الوقت لم تستوعبها الأسواق المحلية. وأكدت مديرة مكتب الزيتون أن المادة متوفرة في الأسواق وبكثرة، لكن قوة الشراء في الحدود الدنيا، مع العلم أن هذه المادة لا يمكن تخزينها أكثر من عامين، كما أن جودتها تنخفض مع الوقت، وخاصة مع ظروف التخزين المتّبعة في البيدونات وعبوات صفيح غير ملكّر، التي تجعل من الصعوبة المحافظة على جودة الزيت. لذلك، وبحسب جوهرة، فنحن بحاجة إلى أن يتمّ استهلاك هذه الكميات خلال المدة الزمنية المسموحة والتي تكون فيه الجودة قابلة للتسويق.
تصدير بضوابط
وأكدت جوهرة أن الوزارات المعنية بحركة الأسواق الداخلية، وهي وزارة التجارة الداخلية ووزارة الاقتصاد ووزارة الصناعة قرروا إضافة كمية 3000 طن لكميات التصدير، ليصبح المجمل 10 آلاف طن للتصدير. وقد وُضعت ضوابط التصدير ضمن عبوات بأحجام وأوزان محدّدة تحمل ماركة تجارية سورية، تضمن استمرار تواجد الزيت السوري ضمن الأسواق، وخاصة المهمّة التي تستوعب كميات جيدة من زيت الزيتون السوري، بحسب جوهرة. وهذا بالتالي يتجه لدعم مزارع الزيتون الذي من حقه أن يستفيد من ميزة منتجه التصديرية ليحصل على سعر مناسب ليقدّم خدمات أفضل للأشجار ويحسّن الإنتاج.
وبيّنت جوهرة أن الكمية المتاحة للتصدير لا تشكل أكثر من 20 بالمئة من كمية الإنتاج، وأي منتج زراعي يصدر منه 20 بالمئة، بينما تخصّص النسبة المتبقية 80 بالمئة للاستهلاك المحلي، وهذه الكميات المتاحة للتصدير تعتبر داعمة للمنتج وتمكن الوزارة من استدامة هذه الزراعة. كما أن نسبة الـ ٢٠٪ كافية للاستهلاك المحلي، أما الزيادة في كميات الإنتاج للعام الحالي فتُقدّر بنحو ١١٪ عن الموسم الماضي في المناطق الآمنة، وعلى مستوى سورية ككل، فنسبة الزيادة لا تتجاوز ٦٪ أي إن زيادة الإنتاج في المناطق المحرّرة كانت أكبر. ومع ذلك -كما تشير جوهرة- لا يمكن الاعتماد على إحصائيات المناطق خارج السيطرة، فالتقديرات تمت من خلال عدد الأشجار الموجودة في المناطق وبعض المعلومات الواردة من المراكز الزراعية الموجودة في هذه المناطق، مع الإشارة إلى أن الأشجار الموجودة في المناطق خارج السيطرة هي ذات إنتاجية عالية وجودة عالية، وتمثل أكثر من ٤٠٪ من مجمل المساحات المزروعة بالزيتون.
توجيه الاستهلاك
وتحدّثت مديرة مكتب الزيتون عن خطة وزارة الزراعة التي تتمثل بتطبيق برامج الإدارة المتكاملة لزراعة وإنتاج وتصنيع وتسويق زيت الزيتون في سورية التي تعتمد على تحسين وتطبيق الممارسات الجيدة في حقول الزيتون، بهدف زيادة الإنتاج وتحسين جودة منتجات هذه الزراعة من الزيتون والزيت. وبهدف تطبيق الممارسات والاشتراطات الفنية الجيدة في معاصر الزيتون، أصدرت وزارة الزراعة دليل معاصر الزيتون الذي يتطلب اشتراطات للإنشاء والإدارة والتشغيل والحصول على زيت زيتون عالي الجودة، إضافة إلى توجيه أذواق المستهلكين نحو زيت الزيتون البكر الممتاز الذي يحقّق أعلى قيمة صحة وتغذوية، إضافة إلى كونه منتجاً صحياً يمتلك ميزات صحية ومواد فعّالة بيولوجياً في الجسم تحمي الجسم من الأمراض، ولكن بشرط أن يكون الزيت من النوع البكر الممتاز.