دراساتصحيفة البعث

الشعب الفلسطيني بين تهديد الإبادة وإجرام المستوطنين

هيفاء علي

تستمر إبادة الشعب الفلسطيني على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي مع القليل من الضجيج الإعلامي، ويواصل الجزارون في تل أبيب تقطيع أوصال أولئك الذين يعتبرونهم “حيوانات بشرية” من خلال القصف المسعور والعشوائي، وبالتواطؤ مع العديد من دول الناتو الغربية التي تزوّدهم بالقنابل الفتاكة، دون أدنى احترام للتشريعات الدولية وقرارات الأمم المتحدة وقانون الحرب.

منذ إطلاق عملية “طوفان الاقصى” في 7 تشرين الأول 2023، كانت الميزانية العمومية للخسائر الفلسطينية المباشرة المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي المدعوم من غرب الناتو، والتي تمّ تحديدها اعتباراً من 9 تشرين الأول 2024، هي بالنسبة لغزة: 42,065 شهيداً، بينهم أكثر من 16,859 طفلاً، وأكثر من 97,886 جريحاً، بينهم 176 طفلاً حديث الولادة، و710 أطفال تحت سن 12 شهراً. كما تمّ استهداف 36 من عمال المناجم بسبب الجوع، حيث يعاني القطاع المجاعة، وهناك 25,973 طفلاً فقدوا أحد الوالدين أو اثنين.

وفي الضفة الغربية: 49 شهيداً، بينهم 164 طفلاً، وأكثر من 6250 جريحاً، لتبلغ الحصيلة النهائية للضحايا الفلسطينيين حتى الآن 42,814 شهيداً، وأكثر من 104,136 جريحاً، وأكثر من 10.000 مفقود، بالإضافة إلى الخسائر غير المباشرة لهذا العدوان الوحشي من سوء التغذية، ونقص الرعاية، والأوبئة، ما يعني بالنهاية أن الرقم يقدّر إجمالي عدد الشهداء الفلسطينيين حالياً بأكثر من 213.500.

لقد كلف هذا العدوان على غزة الشعب الفلسطيني غالياً، لكنه كشف في الوقت عينه للعالم النقاب عن الطبيعة الحقيقية للصهيونية و”دولة الفصل العنصري” التي لا تعدو سوى مستعمرة استيطانية تأسّست في منتصف القرن العشرين، وفي القرن الحادي والعشرين عن طريق إرهاب الدولة والافتراس والقوة، دولة طائفية نصبت نفسها بنفسها، دولة فصل عنصري تتسامح معها حكومات بعض الدول الغربية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا.

وبعد عام من الحرب، ورحيل بعض المستثمرين والعقول إلى الخارج، انهار الاقتصاد الإسرائيلي، الأمر الذي يهدّد المشروع الصهيوني برمته، فـ”إسرائيل” خسرت الكثير من النقاط عندما أظهرت للعالم أجمع المستوى الحقيقي لـ”ديمقراطيتها المثالية” التي قُتل فيها 175 صحفياً على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في عام واحد فقط بمعدل صحفي واحد كلّ يومين تقريباً، وهذا رقم قياسي عالمي لم يتمّ الوصول إليه حتى الآن في أي صراع كبير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

حقيقة الأمر، نادراً ما يمارس الصحفيون الغربيون أخوة إعلامية تجاه زملائهم الذين يقتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعندما يفعلون ذلك، فإنهم لا يتحدثون إلا عن “إسرائيل”، ففي نهاية المطاف، فإن مقتل 175 صحفياً في عام واحد ليس بالحدث المهمّ بنظر الإعلام الغربي طالما أن “إسرائيل” متورطة فيه، ولكن عندما قُتل 11 صحفياً أو متعاطفاً غربياً خلال عامين ونصف من الحرب في أوكرانيا، تمت إدانة روسيا بقوة، وهذا ما يجسّد المعايير المزدوجة.

بالإضافة إلى ذلك، خسرت “إسرائيل” نقاطاً على الساحة الدولية بفقدانها عقلها وسيطرتها على نفسها، ومهاجمتها ثلاث مرات في 10 تشرين الأول الجاري لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في جنوب لبنان، وإصابة جنديين إندونيسيين من قوات اليونيفيل، وتأتي هذه الحقائق بعد صدور قرار بمنع الأمين العام للأمم المتحدة من السفر إلى “إسرائيل”.

وبالتالي، فإن النقاط التي خسرتها “إسرائيل” هي النقاط نفسها التي خسرها غرب الناتو الذي يظهر بشكل متزايد، في وضح النهار وأمام العالم، تواطؤه مع نتنياهو وتحيّزه، من خلال الاستمرار في دعم دولة الإبادة الجماعية، التي تمارس الفصل العنصري، دون قيد أو شرط، فيما يطلق جنودها النار على القوات التابعة للأمم المتحدة. وإذا كان ردّ فعل إيطاليا وإيرلندا وإندونيسيا وإسبانيا قوياً، فإن فرنسا، التي تنشر 700 جندي كجزء من قوات اليونيفيل، اكتفت على استحياء بـ”طلب التوضيحات”، وردّ الفعل هذا، الذي يمكن وصفه بالضعيف لأنه لا يجرؤ حتى على تسمية المعتدي.

والسؤال هو كيف سينتهي كلّ هذا، وإلى أي مدى سيذهب المتعصبون الصهاينة الذين يعتدون على غزة ولبنان وسورية واليمن، ويتسبّبون في خسائر مدنية بشكل رئيسي، حيث بلغت الخسائر المسجلة في لبنان حتى الآن 2141 شهيداً، و10100 جريح منذ 7 تشرين الأول 2023؟.

إن هذا القصف يهدف إلى جعل قانون الأقوى يسود، وله ما يبرّره تماماً لدى وسائل الإعلام الغربية، ومن المحتمل أن المحافظين الجدد الصهاينة، الإسرائيليين والأمريكيين، الذين هم أصل التصعيد الشامل (أوكرانيا، الشرق الأدنى والأوسط، بحر الصين) بدأوا يدركون أخيراً المخاطرة التي يتعرّضون لها على معسكرهم ومستقبلهم.

وبالإضافة إلى الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، شنّ المستوطنون الإسرائيليون 1400 هجوم على السكان في الضفة الغربية المحتلة في العام الماضي منذ 7 تشرين الأول، وكثفوا هجماتهم ضد السكان تحت حماية جنود الاحتلال الإسرائيلي. وخلال العام الماضي، تمّ تسجيل ما لا يقلّ عن 1,423 هجوماً للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، أي بمعدل أربعة هجمات يومياً، وفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. في حين شهدت محافظة رام الله والبيرة أكبر عدد من اعتداءات المستوطنين، حيث وقع 321 حادثاً، تليها 319 حادثاً في نابلس، و298 حادثاً في الخليل.

وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى البطولية، قام وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتامار بن غفير بتوزيع بنادق نصف آلية وأسلحة أخرى على المستوطنين والإسرائيليين المتطرفين، والتي تُستخدم اليوم ضد الفلسطينيين، ومنذ ذلك الحين، تمّ توزيع أكثر من 120 ألف قطعة سلاح ناري على المستوطنين الإسرائيليين، في حين تمّ منح عشرات الآلاف تراخيص مشروطة.

وفي تعليقها على أعمال العنف المستمرة في الضفة الغربية، قالت الأمم المتحدة إنها “قد تتفاقم بشكل كبير إذا استمرت قوات الأمن الإسرائيلية في الاستخدام المنهجي للعنف غير القانوني والمميت وتجاهلت العنف المستمر من قبل المستوطنين”.

والمستوطنات الإسرائيلية هي مجتمعات يهودية مبنية على الأراضي الفلسطينية المصادرة بالقوة من أصحابها، ويعيش نحو 700 ألف مستوطن إسرائيلي فيما لا يقلّ عن 250 مستوطنة وبؤرة استيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة. وفي شهر آذار الماضي، وافقت حكومة الاحتلال على بناء نحو 3500 مستوطنة جديدة، بالإضافة إلى 20 ألفاً أخرى تمّت الموافقة عليها في العام الماضي، ما اضطر آلاف الأشخاص إلى ترك منازلهم خلال العام الماضي، حيث تمّ تهجير نحو 4,555 فلسطينياً في الضفة الغربية بعد أن هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية منازلهم، كما دمرت أو صادرت أو أغلقت ما لا يقلّ عن 1,768 مبنى، بما في ذلك 390 في طولكرم، و368 في القدس، و242 في جنين.