سردية أبناء الأرض
سنان حسن
كشفت الحرب في لبنان وقطاع غزة الوجه الحقيقي للدول الغربية وساستها والعنصرية المقيتة التي يتكلمون بها تجاه شعوب المنطقة وأبنائها، وكأن من يقطنها بشر من الدرجة العاشرة أو الخامسة عشر، ولا يحق لهم مجرد التفكير بالعيش بكرامة وسيادة وعزة، وأنه من حق “إسرائيل- كيان الديمقراطية والحرية” أن يفتك بهذه الشعوب ويمحوها عن بكرة أبيها، ولعل ما جاء في تصريحات البيت الأبيض عقب بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان يصب في هذا السياق: “واشنطن لن تضغط على تل أبيب لإنهاء عملياتها في لبنان”، أما الأخطر فهو تصريح وزير خارجية ألمانيا: “لإسرائيل الحق بقصف أماكن المدنيين”. إذاً لماذا التعويل على المنظمات الدولية التي يسيطر عليها الغرب ويديرها في استجداء السلام وإيجاد حلول لمشاكل المنطقة ؟ والأهم لماذا كل هذا الحقد الغربي على منطقتنا وشعوبها؟.
على مدى عقود من الحروب على منطقتنا تعرضت السردية التي تدعم أبناء الأرض والمدافعين عنها إلى التشويه والتزوير دعماً للسردية الغربية الاستعمارية، ورغم كل ما فعل الغرب بشعوب المنطقة من قتل وتهجير وتجويع، إلا أن هناك طابور خامس مازال يراهن على هذا الغرب في التغيير نحو الأفضل، ويربط أحلامه وأمانيه في تواجده على أرضنا، والأدلة اليوم واضحة في غزة ولبنان، حيث لا تنفك الأبواق الشامتة بالمقاومة في الساحتين من الحديث عن المغامرات التي دمرت أرضهم وممتلكاتهم، داعين من رفع السلاح دفاعاً عن بلاده إلى الاستسلام وعدم مقاومة العدو أيا كان، فالحياة بنظرهم في ظل الاحتلال أفضل وأقل خسارة من مواجهته!.
طبعاً دون أن نغفل أن سردية أهل الأرض استطاعت أن تتسيد المشهد، وأن تحقق اختراقات مهمة في الانتشار، وتكشف الادعاءات الغربية والإسرائيلية وتفضحها على مر التاريخ، كما حدث في انتصار 2006 في جنوب لبنان، وفي سورية في أعقاب ما سمي “الربيع العربي” المزعوم، وفلسطين في أعقاب طوفان الأقصى، ولكن أخطر ما تتعرض لها سردية أبناء الأرض هي عدم الثبات والاستمرار، فهي دائماً ما تتعرض للاهتزاز في لحظات مصيرية وحاسمة كما جرى في أعقاب استشهاد السيد حسن نصر الله ، حيث تاه جمهور واسع في الروايات الصهيونية والغربية التي روجت حينها، ودفعت بالبعض إلى الانكفاء، وأحياناً أخرى إلى اتخاذ مواقف مخالفة لكل التوقعات، فما السبب في كل ذلك؟.
لقد ساهم السيد حسن نصر الله على مدى عقود في تعزيز سردية أبناء الأرض وحقهم المشروع في الدفاع عن أرضهم وسيادتهم واستقلالهم في وجه آلة القتل الإسرائيلية، وبات مؤثراً ليس فقط بين مؤيديه بل لدى جمهور العدو الذي أصبح يراه صادقاً فيما يقول أكثر من قادتهم، لذا لم تتوقف دوائر القرار في واشنطن وتل أبيب في البحث عن وسيلة لمنعها من الانتشار، حيث رصدت في أعقاب حرب تموز 2006 نصف مليار دولار لبث أخبار مفبركة عن المقاومة في لبنان، وضرب بيئتها الحاضنة مستخدمة كل الوسائل المتاحة، ولكن فشلت في الوصول إلى نتيجة مهمة وجوهرية. وعليه يمكن القول أن عمليات الاغتيال والاستهدافات التي طالت قيادة المقاومة في بيروت، كان هدفها بالدرجة الأولى إسقاط سردية المقاومة ووأدها، وما تم كشفه من شروط وإملاءات أمريكية وصهيونية عرضت على القيادة اللبنانية إبان عملية الاغتيال يؤكد ذلك.
لاشك أن سردية أبناء الأرض تتعرض لضغوط كبيرة من دول وجهات تمتلك قدرات تكنولوجية وإعلامية كبرى، ولكن كما قال السيد الرئيس بشار الأسد في 2012 عقب الإدلاء بصوته في الاستفتاء على الدستور: “الهجمة علينا إعلامية، الإعلام مهم لكنه لا يتفوق على الواقع… قد يكونون أقوى في الفضاء لكننا على الأرض أقوى.. ومع ذلك فنحن سنربح الأرض والفضاء، وبالتالي فإننا نملك عنصراً مهماً ورئيسياً في معركتنا في الدفاع عن سرديتنا وهو الأرض وحكايتها الحقيقية، وطالما متمسكين بالدفاع عن أرضنا وخياراتنا فلن تستطيع أي قوة مهما بلغت من حرفنا عن مسارنا أو تشويه سرديتنا أو النيل منها”.