ثقافةصحيفة البعث

روعة سنوبر توقّع مجموعتها القصصية “كنتُ هناك” !!

ملده شويكاني 

تطرقت الكاتبة روعة سنوبر في مجموعتها القصصية “كنتُ هناك” التي وقّعتها في أيام معرض الكتاب السوري الثالث في جناح “دار دلمون الجديدة” الصادرة عنه، إلى مصائر المرضى النفسيين المصابين بالاكتئاب بمراحله المتقدّمة في قصتها التي حملت اسم البطلة “ليزا”.

وحملت المجموعة التي ضمّت خمس عشرة قصة مفاجآت للقارئ بنهايات غير متوقعة تتسم بالسوداوية في غالبيتها، وأوضحت في حديثها لـ”البعث” أن هذه المجموعة الأولى بالنسبة إليها، وارتأت أن تنوّع بين المضامين الاجتماعية والسيكولوجية مثل التنمر والخيانة والاكتئاب المرضي والتفاوت الطبقي بأسلوب غير مباشر، بالإضافة إلى القصص التي تعتمد على الرمزية والخيال، كما نوّعت بتقنيات الكتابة بين السرد التسلسلي المنطقي والتقطيع والمشهد السينمائي.

وتأتي هذه القصص بعد انتقالها من محاولات كتابة الرواية إلى القصة القصيرة، إذ استحوذ عالمها الساحر على مسارها، فتابعت: “كتابة القصة مختلفة جداً عن الرواية، وأسرني التعبير عن عالم كبير بمساحة صغيرة وبإيجاز مكتفية بالحدث المرافق للشخصية الرئيسية بحبكة محكمة، وتبقى مسؤولية الكاتب بشدّ المتلقي إلى تقنيات تعتمد على التشويق والغموض وحبس أنفاس القارئ، ولاسيما أن القصص تحمل دلالات، فالكاتب يحرّض ذهنية القارئ ويعمل على فكّ الشفرات، ليجد القارئ نفسه في زاوية ما من القصص”.

وتوقفتُ معها عند قصة الأسرّة البيضاء التي تُبنى على ملامح الأدب السريالي وتعتمد على الـ”فلاش باك”، إذ تعيش البطلة التي عانت آلام فقد والدتها ووالدها في حادث سيارة بين الماضي والواقع، واستعادة شريط الذكريات “تصرخ الطفلة وحيدة بين الكراسي بذعر ووجهها المزرق يكاد يغادرها، ماما، بابا”، ويبدو هذا في مشهد السينما حينما ترى المشهد بالألوان ومن ثم تعود إلى ذاكرتها بالأبيض والأسود إيماءة إلى الماضي”.

وتبقى قصة “ليزا” الأكثر حزناً كونها فتاة وحيدة تعاني من هلوسات الاكتئاب المرضي بحالة متقدمة، وترى الأشياء عكس الحقيقة “تململ السائق بينما ليزا تستعيد شريط ذاكرتها بالتدريج، لقد تذكرت أن الجنازة كانت تحمل شاباً ما يزال على قيد الحياة، وبأن الزفاف هو لعروسين ميتين، لكنها عجزت عن تذكر تفاصيل أخرى”، وفي خطوط الحبكة تفشل محاولات الطبيب النفسي لإنقاذها على الرغم من إرادتها بذلك، لكنها تبقى أسيرة هلوساتها وذكرياتها التخيلية فتشك بقدراتها العقلية وتتعرض لانهيار عصبي ويتطور مرضها لتصل إلى الانتحار “راح الحشد يتمتم بكلمات الحزن والأسى، لا أحد يعلم لماذا أقدمت على الانتحار، إنها شابة جميلة وفي أوج شبابها”.

وعقبت بأن القصة تحمل رسالة لدعم مرضى الاكتئاب بمراحله المتقدمة، وغالباً لا يتمكن أحد من مساعدتهم ويواجهون مصيرهم بالانتحار.

وفي قصة “نقار الخشب” المبنية على الرمزية، تدلّ على التفاوت الطبقي، فتدور حول قصة حبّ بين نقار الخشب وفراشة جميلة، لكنها من فصيلة أقل من فصيلته، ويتمّ رفض هذا الارتباط من أهله فيتخلى عنها ويتزوج من فصيلته، كما يحدث في الواقع فتنتحر الفراشة، وبتصاعد الأحداث تتخلى عنه زوجته ويبقى وحيداً، فيحاول إعادة الكرة والتعلق بفراشة جديدة، لكنها هذه المرة تكون قوية ترفض حبّه الزائف وتختار من فصيلتها “واستمر في ضياعه حتى وفاته، أما الفراشة الجميلة فعاشت مع زوجها وعائلتها، وما تزال سعيدة حتى الآن”، فأردتُ إيصال رسالة للأنثى من خلال الفروقات الفردية بين الفراشتين، فالأولى كانت هشة وضعيفة، بينما الثانية امتلكت القدرة على الخيار والتجاوز.

أما عن قصة “كنتُ هناك” التي عنوّنت المجموعة باسمها، فيدخل القارئ بعالم ميتافيزيقي وتحمل أسئلة وجودية، إذ تجد البطلة ذاتها أمام طريقين، الظلام والنور ولم تقصد الكاتبة الجنة والنار، إنما طريق الأوهام والمخاوف التي يعيشها الإنسان وانعكاساتها على هذا العالم، وطريق الأمان الذي تصل إليه بالإيمان بالقضاء والقدر.

وفي نهاية القصص ألحقت المجموعة بمجموعة قصائد نثرية، منها رحيل ومتاهة:

وكلما أمسكتُ الرمل بيديّ

انزلقت من بين أناملي

حيتان وأسماك

وعقبت بأنها أرادت أن تقدم للقارئ لمحة عن نتاجها الشعري من خلال هذه المجموعة.

وبالإضافة إلى القصة والخاطرة وقصيدة النثر تتابع، حالياً، كتابة روايتها بعنوان “تلاشي”، ونوّهت في نهاية حديثنا بأن تواقيع الكتب كانت تظاهرة مميزة في معرض الكتاب، الذي حفل بعناوين ملفتة ومغرية للشراء، لكن الزائر لا يستطيع شراء أكثر من أربعة أو خمسة كتب.