الإنفاق الاستثماري قفز إلى 1.1 مليار دولار.. موازنة 2025 بين التركيز على النمو الاقتصادي والحاجة لتكامل السياسات
حسن النابلسي
إذا ما حاولنا قراءة مشروع موازنة العام ٢٠٢٥، سنجد أنها توسعية، إذ ارتفعت الاعتمادات الأولية فيها بنسبة 48% (من 35500 مليار ليرة إلى 52600 مليار ليرة)، ويلاحظ أنها ارتفعت أيضاً عند تقديرها بسعر الصرف الرسمي، فقد كانت نحو 3.1 مليار دولار عام 2024 بسعر صرف 11500، وأضحت 3.9 مليار دولار بسعر صرف 13500، والزيادة تقريبا بنسبة 25%.
وبالنسبة للإنفاق الاستثماري فقد ارتفع من 9000 مليار إلى 15600 مليار ليرة في اعتمادات موازنة العام 2025، أي أنها ارتفعت 73% بالليرة السورية.
الباحث الاقتصادي الدكتور علي محمد بيّن أن نسبة الإنفاق الاستثماري ارتفعت إلى 30% من موازنة العام 2025، مقارنة بـ 25% بالعام 2024، و18% في موازنة العام 2023، كما أن الإنفاق الاستثماري قفز – لدى تقويمه بالدولار – من 0.78 مليار دولار عام 2024 إلى 1.1 مليار دولار عام 2025، أي بنسبة 41%، وبالتالي أضحت تقارب مع ما هو بحكم العرف، أي ألا يقل الإنفاق الاستثماري عن 30 % من إجمالي اعتمادات الموازنة، فكلما ارتفع مقارنة بالجاري فهو دليل على تركيز السياسات المالية والاقتصادية على النمو الاقتصادي ومكافحة البطالة وتحسين الواقع الاقتصادي.
رغم ترحيب محمد برفع نسبة الإنفاق الاستثماري إلا أنه لم يخف هواجسه من عدم التوظيف الصحيح إذ اعتبر أن العبرة بالنتائج، أي بالتوظيف الصحيح لهذه الاعتمادات.
وبين محمد أن حجم الدعم الاجتماعي في الموازنة بلغ 8325 مليار ليرة مرتفعاً من 6210 ملياراً في موازنة العام 2024، و4927 مليار في موازنة 2023، أي ارتفاع بنسبة 34% بين عامي 2024 و 2025، وبقي مرتفعا أيضاً عند تقويمه بالعملة الأجنبية بواقع 14% حيث بلغ 0.62 مليار دولار عام 2025 بينما 0.54 مليار عام 2024، والواقع يتضح أكثر عند المقارنة بموازنة العام 2023 حيث بلغ حينها 1.64 مليار دولار، أي أن الحكومة خلال عامين تخلصت من عبء مليار دولار كدعم مقدم.
وبالنسبة لدعم المشتقات النفطية، أوضح محمد أنها ارتفعت من 2000 مليار في العام 2024 إلى 4000 مليار ليرة، فيما كانت 3000 مليار في العام 2024، بمعنى أنها ارتفعت بين عامي 2024 و2025 بنسبة 100% بالليرة السورية، ولكن التقييم الأفضل لهذا البند هو بالدولار باعتبار أن 80% من حاجتنا من المشتقات النفطية مستورد، فقد بلغ دعم المشتقات للعام 2025 نحو 0.3 مليار دولار مقارنة مع 0.17 مليار دولار عام 2024، عازياً السبب في ذلك إلى توقع ارتفاع أسعار النفط عالمياً نتيجة التوترات في منطقة الشرق الأوسط المتزامن مع ارتفاع أجور الشحن والنقل، ويتضح أيضاً استقرار الواقع كما هو دون خضات كبيرة في التسعير للمشتقات في العام القادم، أما الدليل الهام للاستبعاد من الدعم وتحرير الأسعار فقد أضحت واضحة، فدعم المشتقات عام 2023 كان نحو 1 مليار دولار فيما في 2025 نحو 0.3 مليار دولار فقط.
كما نلاحظ أن بند الدقيق التمويني في 2025 بقيمة 3850 مليار ليرة، فيما لا معلومات عن حجمه في العام 2024، بينما كان 1500 في موازنة العام 2023، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى ارتفاع سعر شراء القمح المسلم من الفلاحين للموسم الحالي إلى 5500 ليرة للكغ، إضافة إلى زيادة بعض التعويضات المتعلقة بالمطاحن والأفران وغيرها، وكذلك زيادة مصاريف المستلزمات السلعية والخدمية سواء المشتقات النفطية اللازمة للعمل أو قطع الغيار ومواد التعبئة والتغليف والصيانة، وكذلك ارتفاع أجور الطحن ونقل القمح.
بالمقابل يرى الباحث الاقتصادي إيهاب اسمندر أن العجز في موازنة العام ٢٠٢٥ يقدر بحوالي ١١٠٠٠ مليار ليرة أي ٢١%، وهو أقل من العجز في موازنة العام ٢٠٢٤ (٢٦%)؛ ما يوحي بمحاولة الحكومة لعدم دفع التضخم بتمويل عجز كبير من المصرف المركزي، لكن هذا الإجراء قد لا يمنع التضخم بقدر ما أنه سينعكس سلباً على الفئات الهشة من المجتمع السوري.
وبين اسمندر أنه وبالرغم من تصريح وزير المالية الدكتور رياض عبد الرؤوف بعدم فرض ضرائب على مطارح جديدة، إلا أنه لم يوضح عدم إمكانية زيادة الضرائب المفروضة على المطارح الحالية، وبالتالي فالتساؤل الذي يفرض نفسه في هذا السياق وفقاً لاسمندر: هل ستتم زيادة أسعار المحروقات أو غيرها؟.
وبناء على ما سبق يبين اسمندر أن الموازنة تحتاج إلى تكامل في السياسات الاقتصادية لتضمن نمو حقيقي في الاقتصاد السوري ينعكس إيجاباً على السوريين، مشيراً إلى أنه بالرغم من أن الموازنة تأخذ منحى توسعي إلا أنه لم يتم إيضاح سبل تمويلها، كما أنه لم يظهر في الموازنة ما يتعلق بشكل واضح بدعم صغار المنتجين.
واعتبر اسمندر أن تحسين الجانب الإنتاجي في الاقتصاد السوري يحتاج تطمينات أكبر لقطاع الأعمال واستخدام أمثل للأموال المتاحة في المصارف السورية في مجال الاقتصاد الحقيقي.
ولم يعتبر اسمندر أن هذه الموازنة تشكل نقلة في طريقة التفكير الاقتصادي في بلدنا سورية لتشابهها مع الموازنات السابقة وعدم إمكانية جزم حجم التنفيذ منها.