دراساتصحيفة البعث

أفريقيا الجديدة غير المنسية

عناية ناصر

“تظلّ أفريقيا القارة المنسية”، وفقاً لرابيا باليوا من “مجموعة أبانتو” للتنمية، حيث تختفي أفريقيا من الأجندة ما لم تحدث كارثة، وهناك ميل دائم إلى النظر إلى القارة من منظور سلبي، حتى عندما يحدث شيء إيجابي هناك. يردّد مسؤولو الاتحاد الأوروبي العاملون في الميدان هذا القلق، حيث قال أحدهم: “تحظى أفريقيا باهتمام أقل”. وهناك وجهة نظر واسعة النطاق مفادها أنها ليست أكثر من مجموعة من الدول التي تقاتل بعضها البعض. ووفقاً لموقع “بوليتيكو”، يهدف القادة إلى وضع القارة المنسية “على رأس الأجندة”.

في النظام السياسي والاقتصادي العالمي الذي يهيمن عليه الغرب، كانت القارة التي تمّ تجاهلها باستمرار كلاعب حساس هي أفريقيا. وفي القمة التي حملت عنوان “القارة المنسية”، اجتمع زعماء 53 دولة أفريقية في قمة الصين وأفريقيا مؤخراً في بكين للعمل مع أكبر مستثمر وداعم للقارة للمساعدة في بناء أفريقيا جديدة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، وهو عدد سكان الصين نفسه تقريباً للتغلب على التخلف والفقر الذي ألحق الضرر بإمكانات 18% من سكان العالم.

وفي هذا السياق، وصفت وزارة الخارجية الصينية القمة بأنها “أكبر حدث دبلوماسي” استضافته البلاد في السنوات الأخيرة، وحظيت بأعلى نسبة حضور من الزعماء الأجانب، وركزت القمة على التصنيع والزراعة والبنية الأساسية والتعليم والصحة ومجموعة من القطاعات الأخرى المهمّة لتنمية المنطقة. وبالإضافة إلى الاتفاقيات الخاصة بكل بلد ومشروع، فإن النتائج الأكثر أهمية بالنسبة للقارة المنسية تشمل دعماً مالياً صينياً بقيمة 360 مليار يوان لأفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ومبادرات مشتركة تغطي التعلم والتجارة والتعاون في سلسلة الصناعة والاتصال والتعاون الإنمائي والرعاية الصحية، وإحياء المناطق الريفية، ورفاهية الناس والتبادلات بين الناس والتنمية الخضراء والأمن المشترك.

لقد كانت وسائل الإعلام الغربية صامتة أو رافضة للقمة، حيث خصّصت العديد من وسائل الإعلام الأخبار لقسم غير واضح من الصحيفة، أو أكدت على كيف هندست الصين الحدث لتعزيز قدرتها على الوصول إلى المواد الخام في أفريقيا، وتوسيع نفوذها  على أفريقيا.

العامل الأساسي في تخلف أفريقيا

يشير السجل التاريخي إلى أن أفريقيا لم تكن أبداً  قارة “منسية” على الرغم من وصفها بذلك، ففي القرنين الماضيين قامت دول أوروبية متعدّدة بما في ذلك أقوى الدول في ذلك الوقت -بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال- بغزو وتقسيم أفريقيا في إطار إمبرياليتها “الجديدة” التي تهدف إلى استغلال العمالة والموارد الطبيعية الأفريقية. لقد تركوا وراءهم مجتمعات مصابة بصدمة نفسية، واقتصادات منهوبة، ودول مصطنعة، ودورات متكررة من العنف والفقر والاستبداد التي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.

لم تكن أفريقيا أبداً “مظلمة” أو “غامضة” أو “منسية” بالنسبة لأوروبا والأوروبيين، بل كانت مصدراً مفتوحاً للنهب والثروات التي لا تُعدّ ولا تُحصى، وقد قدّر بعض المؤرخين الاقتصاديين أن قيمة النهب الاستعماري الذي دمر مجتمعات أفريقيا ما قبل الاستعمار بلغت مئات تريليونات الدولارات، ولعب دوراً رئيسياً في وضع الأساس لأوروبا الحديثة الغنية كما نعرفها اليوم، ولكن العديد من الأوروبيين وغيرهم من الناس في الغرب يبدو أنهم يتجاهلون ذلك.

لقد تمّ تجاهل هذا التاريخ أو إغفاله من قبل أوروبا والولايات المتحدة وحلفائها الآخرين في جهودهم لاستغلال أفريقيا على نحو استعماري جديد، وما نراه هو ضغوط مستمرة لضمان بقاء أفريقيا مرتبطة بالغرب في أي تغييرات تحدث، وخاصة في قطاعات التعدين والطاقة والنقل والصناعة، حيث ترسّخت المصالح التجارية الغربية منذ فترة طويلة مع الإرث الاستعماري وفخ الفقر.

إن أفريقيا الجديدة المحررة من عبودية الاستعمار والاستعمار الجديد، والتي تمتلك نموذجها الخاص للتنمية المستمدة من الصين وغيرها من بلدان العالم، لن تكون مجرد موضوع للشفقة والندم والإحسان والمشاعر السلبية، وخاصة كما يراها الغرب، كما أن لديها أيضاً الفرصة لإعادة تشكيل النظام العالمي.

ودعا البيان الختامي الصادر عن قمة “منتدى التعاون الصيني الأفريقي إلى عالم متعدّد الأقطاب متساوٍ ومنظم، وأكد أن جميع البلدان يجب أن تتمتّع بحقوق متساوية وفرص متساوية وتتبع القواعد نفسها، وتدعم النظام الدولي مع الأمم المتحدة في جوهره، والنظام الدولي المدعوم بالقانون الدولي والمعايير الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ومعارضة احتكار الشؤون الدولية من قبل عدد قليل من البلدان، ومعارضة الهيمنة وسياسة القوة، وجعل الحكم العالمي أكثر عدالة وإنصافاً.