العالم بحاجة إلى أكثر من “أسانج” لكشف نفاق الغرب
عائدة أسعد
صدم جوليان أسانج العالم في عام 2010 بعد أن قامت “ويكيليكس”، التي أسسها، بتحميل لقطات فيديو ووثائق على الإنترنت لجرائم الحرب الأمريكية، بما في ذلك قتل صحفيي رويترز وغيرهم من المدنيين دون تمييز في بغداد أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق.
ولكن قِلة من الناس توقعوا أن تلاحق الإدارة الأميركية أسانج بهذه الشدة، فتجبره على خوض محنة دامت 12 عاماً من البحث عن اللجوء في السفارة الإكوادورية في لندن في حزيران 2012، ثم اعتقاله وإلقائه في سجن بلمارش في لندن في نيسان 2019 حيث أُطلِق سراحه على أساس صفقة إقرار بالذنب في حزيران من هذا العام.
لقد كتب الصحفيون الكثير من المقالات عن أسانج منذ عام 2010، بما في ذلك عن المظاهرات في الولايات المتحدة التي تطالب بالإفراج عن تشيلسي مانينغ، الجندية المتحولة جنسياً والمعروفة آنذاك باسم برادلي مانينغ، وهي محللة استخبارات في الجيش الأميركي سربت ما يزيد عن 700 ألف وثيقة عسكرية إلى “ويكيليكس”، وأطلق سراحها في عام 2017.
ومن الجيد أن يرى أولئك الصحفيين كل من أسانج و تشيلسي مانينغ حرين الآن، حيث كان من المثير بشكل خاص رؤية أسانج أخيراً في جلسة استماع في مجلس أوروبا في ستراسبورغ في الأول من تشرين الأول الجاري، وهو أول حدث عام له منذ إطلاق سراحه من السجن.
كان أسانج ملهماً كعادته عندما قال للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا: “أنا لست حراً اليوم لأن النظام نجح ولكن أنا حر اليوم بعد سنوات من السجن لأنني أقر بذنبي في الصحافة وأقر بذنبي في البحث عن معلومات والحصول على معلومات من المصدر وأقر بذنبي في إبلاغ الجمهور بما كانت تلك المعلومات”.
وقد أثارت كلماته تصفيقاً حاراً ليس فقط من أعضاء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بل وأيضاً من الصحفيين الذين يغطون الجلسة، وهو أمر غير معتاد بالنسبة للمراسلين والمصورين الذين يؤدون عملهم.
ويُظهِر أسانج علامات قوية على تعرضه للتعذيب في السجن، وبدا أن زوجته ستيلا تعاني من العذاب، وقالت إن أسانج لا يزال يعاني من آثار التعذيب الشديد والمطول للغاية ولإجباره على العيش في ظروف قاسية لسنوات، لكنها لم تدخل في التفاصيل لحماية خصوصيته.
وفي الثاني من تشرين الأول، اعترفت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أن أسانج “سجيناً سياسياً” وحذرت من الآثار المروعة لمعاملته القاسية.
وعندما سألت ثورهيلدور سونا إيفارسدوتير، مقررة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في قضية أسانج، عما إذا كانت تشعر بخيبة أمل تجاه معظم القادة الأوروبيين لعدم سعيهم للإفراج عن أسانج، كانت إجابتها صريحة، وقالت إن الأمر يتعلق كثيراً بمن يلاحق أسانج ويحاول وضعه في السجن لمدة 175 عاماً، مضيفةً أنه من الصعب على السياسيين التحدث عندما ينتهك حلفاؤهم حقوق الإنسان.
لقد انكشف نفاق العديد من القادة الغربيين والمعايير المزدوجة التي يلجؤون إليها، وعلى مدار الأسابيع الماضية، أدان العديد من القادة الغربيين، من الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الهجمات الانتقامية الإيرانية ضد “إسرائيل”، وأحيوا الذكرى السنوية الأولى لهجمات المقاومة الفلسطينية على “إسرائيل” في 7 تشرين الأول 2023، لكنهم لم يدينوا “إسرائيل” أبداً على اغتيال كبار المسؤولين الإيرانيين، وقادة المقاومة، وقتل أكثر من 42000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، في قطاع غزة.
لقد قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعد هجمات 7 أكتوبر 2023 : “إنها لم تحدث من فراغ لأن الشعب الفلسطيني تعرض لسنوات من الاحتلال الخانق”.
وقد رفض معظم القادة الغربيين، الذين يحبون إعلان أنفسهم ممثلين للمجتمع الدولي، رؤية الصورة الكاملة وإيجاد السبب الجذري للصراعات في العديد من أجزاء العالم، حيث يتهمون أي شخص يكشف أو يتحدى معاييرهم المزدوجة بنشر التضليل، خاصة أن وسائل الإعلام الإخبارية تقع تحت نفوذ كبير في النظام العالمي، ولكن كما قال أسانج للحضور في ستراسبورغ، يجب على الناس أن يقوموا بدورهم لضمان عدم إسكات أصوات الأغلبية.
وأخيرا يمكن القول إن العديد من القادة الغربيين ووسائل الإعلام السائدة اختاروا أن يكونوا على الجانب الخطأ من التاريخ لصالح قِلة من أسانج إلى غزة ولبنان.