الولايات المتحدة شريكة في الاعتداء على قوات حفظ السلام
عائدة أسعد
إن الهجمات المتعمدة على أفراد الأمم المتحدة المشاركين في عمليات حفظ السلام غير قانونية، وتصل إلى جرائم حرب. ووفقاً لبيان صادر عن الأمم المتحدة بعد الهجمات الأخيرة على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من قبل القوات الإسرائيلية، تشكل مثل هذه الهجمات انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 (2006).
في عام 1987، فتحت فرقة دبابات إسرائيلية النار على قرية يوجد بها مركز قيادة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، ما أسفر عن مقتل جندي حفظ سلام إيرلندي. وفي عام 1996، قصفت “إسرائيل” كتيبة “فيجي” التابعة لـ”اليونيفيل” في قانا بجنوب لبنان، ما أسفر عن مقتل أكثر من 120 مدنياً لبنانياً وإصابة نحو 500 آخرين، كما أصيب أربعة جنود من الأمم المتحدة. وفي أواخر تشرين الثاني 2023، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على دورية تابعة لـ”اليونيفيل” بالقرب من عيترون في جنوب لبنان دون إصابة أي من قوات حفظ السلام.
وفي أحدث هجماتها على القوات التابعة للأمم المتحدة، أطلقت القوات الإسرائيلية النار بشكل متكرّر على برج حراسة في مقر “اليونيفيل”، مما أدى إلى إصابة اثنين من أفراد القوة، وأطلقت النار على برج مراقبة، ما أدى إلى إصابة آخرين من قوات حفظ السلام.
إن إطلاق قوات “إسرائيل” العسكرية النار عمداً على قوات الأمم المتحدة في لبنان يشكل انتهاكاً صارخاً وخطيراً للقانون الدولي، والتفسير الوحيد الذي يمكن أن يفسّر ما حدث هو أن “إسرائيل” تعتبر نفسها قادرة على التصرف دون خوف من العقاب لتحقيق أهدافها العسكرية، بالإضافة إلى أن “إسرائيل” تعتبر الجميع هدفاً مشروعاً لها، حتى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمدنيين، في سعيها إلى تحقيق أهدافها الحربية.
من خلال قتل المدنيين الأبرياء في غزة، واستهداف القوات الدولية في لبنان، فإن “إسرائيل” تقول للعالم إنها لا تمتثل للقانون الدولي، بل إنها تعتبر لنفسها قانوناً خاصاً بها، وإذا كانت “إسرائيل” تتبنى مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، فلا ينبغي لها أن تفاجأ بأن المقاومة التي تقاتل ضدها تتبنى المبدأ نفسه.
إن نهج الكيان الصهيوني الذي لا يعرف أي قيود هو السبب الرئيسي وراء عدم ظهور أي علامة على تراجع الدورة المفرغة من العنف، ومن هذا المنطق يبدو أن لا أمل في السلام في الشرق الأوسط، إذ كلما كانت أعمال “إسرائيل” العسكرية أكثر وحشية وعنفاً، كلما أصبح من المستحيل تحقيق السلام والأمن الدائمين في المنطقة.
كل هذا مردّه إلى الدعم المطلق من الولايات المتحدة، والذي يحدث فرقاً كبيراً فيما يمكن لـ”إسرائيل” أن تفعله في إظهار عضلاتها العسكرية، فبدون المساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات من الولايات المتحدة، لا تملك “إسرائيل” ما يكفي من الموارد التي تحتاجها لدعم عملياتها العسكرية المطولة في غزة وجنوب لبنان.
وبهذا المعنى، فإن الدعم الذي تحصل عليه “إسرائيل” من الولايات المتحدة هو المفتاح إلى أي مدى يمكن لـ”إسرائيل” أن تذهب في المضي قدماً في حملاتها العسكرية، بالإضافة إلى الدور المؤثر الذي يلعبه اليهود الأمريكيون في السياسة الأمريكية -عامل في الانتخابات الأمريكية- وهو ما يفسّر لماذا يتمتّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالجرأة الكافية لتحدي الرئيس الأمريكي جو بايدن دون خوف من فقدان دعم الولايات المتحدة.
أما ما يتصل بدور الولايات المتحدة، فيتعيّن عليها أن تتحمّل مسؤولياتها وتستخدم نفوذها لإبقاء “إسرائيل” تحت السيطرة، لأنه كلما طال أمد فشلها في استخدام نفوذها على تل أبيب لإنهاء الصراع العسكري أو على الأقل تحقيق وقف إطلاق النار، كلما أصبحت متواطئة في انتهاك “إسرائيل” للقانون الدولي، وبالتالي كلما زاد النظر إليها باعتبارها شريكة، الأمر الذي من شأنه أن يقوّض ادعاءها بأنها تدافع عن القيم المشتركة.