اقتصادصحيفة البعث

“وزارة الصناعة” أكبر من “صناعي”!

حسن النابلسي

نعتقد أن مصطلح “الصناعة قاطرة النمو” يضع وزارة الصناعة على محك إعادة النظر بمسار عملها الذي لم يثمر سوى عن شركات خاسرة، وأخرى تحبو نحو الحدية، وثالثة تتغنى بأرباح ما كان لها أن تحصلها لولا احتكارها للإنتاج كـ “تعبئة المياه والتبغ”، ورابعة رابحة “وهي قليلة جداً” بحكم الطلب على المادة كـ “الإسمنت”!

لذلك، نرى ضرورة أن تتجه الوزارة جدياً لدراسة وضع الشركات الخاسرة وإيجاد صيغة ما لوضعها الاستثماري، إما من خلال طرحها للتشاركية أو حتى الخصخصة لتفادي الهدر والفساد الذي طالما نخر في جسمها طيلة العقود الماضية!

ولعلَ الأهم هو وجوب تخلي الوزارة عن دورها كـ “صناعي” ينافس بمنتجاته صناعات المشروعات الصغيرة والمتوسطة كـ “معمل للألبان والأجبان والمعكرونة والأحذية”، وغيرها من صناعات برع فيها القطاع الخاص إلى أبعد حدٍ.. فالوزارة بالنهاية ليست “صناعياً” بل هي أكبر من ذلك بكثير، إذ يفترض أن تتمتع بدور إستراتيجي يتمثل برسم السياسات الصناعية، والقيام بتشجيع وتحفيز وتمكين الصناعة السورية كقطاع وطني يحتل في القطاع الخاص مكانة مهمة.

لاشك أن ثمة اعتبارات تدفعنا لما أنف ذكره أبرزها المحافظة على ما تبقى من صناعات والعمل على تطويرها واستغلال المرحلة الحالية لإعادة ترتيب الأولويات وأسسها إيذاناً بانطلاقة جديدة تبدأ بتلبية احتياجات السوق المحلية والاستغناء قدر المستطاع عن الاستيراد، أملاً بالوصول في مرحلة لاحقة تتمكن فيها منتجاتنا من توسيع دائرتها في الأسواق العالمية.

يضاف إلى ذلك مقتضيات المرحلة وما تستوجبه من إعطاء زخم كبير للعملية الإنتاجية، وانعكاسها على المناحي التنموية كافة، وهذا يتطلب بالضرورة التنسيق مع الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الزراعة، لإنعاش الصناعات الغذائية وفق مصفوفة عمل تشمل الجغرافية السورية تأخذ بعين الاعتبار مقومات الإنتاج في كل منطقة.

ونجد في هذا المقام مناسبة للحديث عن نقاط القوة العديدة التي تتمتع بها سورية، عسى أن تشكل حافزاً لانطلاقة صناعية ضمن مستوى الطموح، حيث لا يخفى على أحد ميزات الموقع الجغرافي والعراقة الصناعية، وتوفر حلقات الإنتاج كافة في العديد من الصناعات كالصناعات النسيجية والغذائية إضافة إلى وفرة ورخص اليد العاملة، وكذلك لابد من دراسة سلسلة هذه المقومات بشكل متكامل ومتواز معاً، ضماناً للوصول إلى صيغة توافقية تشكل بداية لانطلاقة جديدة.

ويبقى أن نشير إلى أهمية العمل باتجاه فتح خط مع الجامعات ومراكز وهيئات البحث العلمي من جهة، والجهات العامة والخاصة المعنية بالقطاع الصناعي من جهة ثانية، والعمل على خرق حالة الطلاق الحاصلة بين البحث العلمي والفعاليات الاقتصادية، وتعزيز الثقة بين الطرفين، وقلب هذه الصورة بحيث يقتنع كل طرف بمخرجات الآخر، من أجل ربط البحوث والدراسات والأطروحات التي يتم إعدادها من قبل الدارسين والباحثين في هذه المراكز والجامعات باحتياجات القطاع الصناعي ووفق أولويات محددة يتم اعتمادها بين هذه الأطراف تساهم بعملية إعادة تأهيل الصناعة والاقتصاد الوطني بشكل عام.

hasanla@yahoo.com