حين تتحول الرواية الصهيونية إلى هزيمة إعلامية
سنان حسن
رغم الفرح الكبير الذي عمّ الأوساط الإسرائيلية بعد استشهاد يحيى السنوار، إلا أن الرواية حول استشهاده وهو يقاتل جنود الاحتلال، أفسدت هذا “الإنجاز” الصهيوني، بل وحولت هذا الحدث إلى نقمة، دفعت الاحتلال إلى الترويج لروايات أخرى مفبركة في محاولة لكسر الصورة الأسطورية التي تشكلت حول قائد استشهد وهو يدافع عن فلسطين حتى آخر لحظة. هذه الصورة الرمزية للسنوار لن تقتصر على اللحظة الحالية، بل ستصبح مصدر إلهام للأجيال القادمة، محركة لهم للالتحاق بالمقاومة والدفاع عن أرضهم.
وهذا يعيدنا إلى محاولات الاحتلال المتكررة لتسويق روايات مضللة عن عدوانه على غزة ولبنان وباقي ساحات المقاومة، فهل نجح فعلاً في تمرير هذه السرديات، رغم كل الإمكانيات التقنية والإعلامية التي يمتلكها؟
منذ بدء معركة طوفان الأقصى، يسعى الإعلام الإسرائيلي وحلفاؤه في المنطقة والعالم إلى تشويه صورة المقاومة وقادتها، مصورين إياهم على أنهم جبناء مختبئون في الأنفاق والمغاور، هاربون من مواجهة الجيش الإسرائيلي. كما ادعى هذا الإعلام أن هؤلاء القادة تركوا شعبهم لمصير مجهول بسبب قراراتهم السياسية، وأن ما يقومون به من أعمال هو خدمة لأجندات دول أخرى.
لكن في كل مرة يسقط فيها قائد من المقاومة شهيداً، تتهاوى هذه السرديات وتكشف زيفها أمام البطولات الحقيقية التي يقدمها هؤلاء القادة في ساحة المعركة. المثال الأبرز على ذلك هو استشهاد القائد يحيى السنوار في حي السلطان برفح، حيث قاوم حتى آخر نقطة دم. هذا المشهد تحديداً كان نقيضاً لما كانت تتمناه القيادة الصهيونية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، والذي كان يفضل استشهاد السنوار في نفق تحت الأرض بدلاً من الصورة البطولية التي ظهر بها، وهذا ما دفع جيش الاحتلال إلى اختلاق روايات أخرى للتقليل من شأن استشهاد السنوار.
الرواية الإسرائيلية المفبركة لم تقتصر على معركة السنوار فقط، و الأمر نفسه تكرر مع حادثة الهجوم بالطائرات المسيرة على منزل نتنياهو قرب القدس المحتلة. هنا، حاول الاحتلال إنكار أن الطائرات المسيرة تعود للمقاومة اللبنانية، رغم انطلاقها من لبنان. الهدف من هذه الرواية كان تغطية فشل قوات الاحتلال في اعتراض المسيرة، وتبرير العدوان على لبنان كوسيلة لتبرير هذا العجز الأمني.
على مدار عقود، سعى الاحتلال إلى تشويه الصورة العربية والفلسطينية على الصعيد العالمي، وقد لعبت هوليوود دوراً مهماً في هذا التشويه، من خلال إنتاج آلاف الأفلام التي تدعم “إسرائيل” وتسعى لطمس حقوق العرب في أراضيهم المحتلة، لكن منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى، بدأت هذه السرديات تتداعى، والجرائم والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في فلسطين أصبحت مكشوفة على الساحة الدولية، ولم تعد وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على حجب هذه الحقائق، والدليل على ذلك جاء من دول بعيدة عن فلسطين بآلاف الكيلومترات، حيث انتفضت شعوبها في دعم القضية الفلسطينية، بل إن بعض الدول تقدمت بشكاوى أمام محكمة العدل الدولية، مطالبة بإدانة الاحتلال على المجازر التي ارتكبها بحق الفلسطينيين.
إن معركة الفضاء الإعلامي هي معركة حاسمة لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية، يسعى الاحتلال إلى زرع الوهم والتهويل، محاولاً إقناع العالم بقدرته على الانتصار من خلال وسائل الإعلام، حتى لو كانت الحقائق على الأرض تناقض ذلك. لكننا، كأمة تملك الحقيقة والشهداء والأبطال، علينا أن نواصل النضال الإعلامي إلى جانب النضال العسكري، فنحن نملك السلاح الأهم ألا وهو الحقيقة. والأبطال الذين يواصلون تحقيق الانتصارات على أرض المعركة، قادرون أيضاً على كسب معركة الفضاء الإعلامي، لأن صوت الحق دائماً يعلو على دعاية الزيف.