اقتصادصحيفة البعث

ما الآليات الفعالة لاختيار الإدارات..؟

علي عبود

ما من حكومة على مدى الثلاثة العقود الماضية إلا وانشغلت في بدايات مباشرتها لمهامها الدستورية بالإجابة عن سؤال مهمّ جداً: ما الآليات الفعّالة لاختيار الإدارات للجهات العامة؟
ونتفق تماماً مع رئيس الحكومة، الدكتور محمد غازي الجلالي، فيما قاله خلال ترؤسه الجلسة الأسبوعية الأولى لمجلس الوزراء، بأن “وجود بعض التناقض وضعف الكفاءة في بعض القرارات والتوجّهات الخاصة بالبنية الإدارية والوظيفية، سببه الرئيسي عدم وضوح السياسة العامة للوظيفة العامة”.
وبما أن رئيس الحكومة يحرص “على ألا يتمّ الوصول إلى العدالة في شغل الوظيفة العامة والقيادات الإدارية على حساب الكفاءة والإنتاجية الوظيفية على قاعدة أن رأس المال البشري هو من أهم ثروات البلد التي يجب الحفاظ عليها”، فإن السؤال: ما الآليات التي تتيح وصول الكفاءات والخبرات إلى الوظائف العامة؟

من المهمّ أن يقرّر محلس الوزراء “تشكيل لجنة وزارية مختصة بهدف مراجعة بعض القرارات والأنظمة الخاصة بشغل مراكز عمل القيادات الإدارية، والضوابط الخاصة بذوي القربى في الجهات العامة، وأحكام قبول الاستقالات وتمديد الخدمة.. وغير ذلك”، ولكن من المهمّ أيضاً الإشارة إلى أن جميع اللجان السابقة المشابهة لم تتوصل إلى أيّ آلية تحرّر الوظائف العامة على مختلف متدرجاتها ومسمياتها من المتنفذين ومن أصحاب القرار بالتعيين الذي يُفضّلون دائماً اختيار الأقرباء والأصدقاء والمعارف ومن تربطهم بهم مصالح ضيّقة لشغل المناصب الإدارية، سواء العليا منها أم الدنيا!
نعم، من الطبيعي أن يختار رئيس الحكومة، وكذلك الوزراء، المديرين العامين من دائرة معارفهم، أو بناءً على طلب من مسؤولين ومتنفذين في الدولة، طلباتهم غالباً تُستجاب ولا تردّ، ولكن هناك آليات بديلة ومتاحة، وحبذا لو أن مجلس الوزراء يأخذ بتجربة الوزراء القادمين من القطاع الخاص في أسلوب تعيين مدراء شركاتهم.
الأمر ليس معجزة، فما من ربّ عمل خاص يغامر بتعيين شخص غير كفؤ لشركاته ولو كان من أقرب المقربين لديه!!

لقد سبق وطرحنا مع غيرنا آلية تحرّر الوظيفة العامة من المحسوبيات والأهواء والمزاج الخاص للمسؤولين عن قرارات التعيين، وهي الآلية المتّبعة لدى القطاع الخاص في معظم دول العالم، وتحديداً الخاصة بتعيين المديرين العامين، سواء المركزيين أم الفروع أو رؤساء الأقسام والدوائر داخل كل مؤسّسة.. إلخ.

ولو كانت الحكومات السابقة جادة باختيار الأكثر كفاءة لمؤسّساتها العامة لأنجزت منذ ثلاثة عقود على الأقل ملف التصنيف الخاص بالعاملين في الدولة!!.
وبما أنها لم تنجز مثل هذا الملف، فهذا يعني أنها أرادت أن يستمر التعيين من خلال الوساطات والولاءات لهذا أو ذاك المتنفذ!.. وإذا أرادت الحكومة فعلاً اختيار الأكفأ لإداراتها العامة ليس أمامها سوى خيارين لا ثالث لهما:
الأول الإسراع بإنجاز ملفات تصنيف العاملين في الدولة ليسهل عليها اختيار الأفضل والأكفأ لشغل المناصب في الجهات الحكومية، وتحديداً المديرين العامين.
وإذا كان هذا الخيار صعب التحقيق حالياً ومستقبلاً، وبما أن الحكومة تلجأ في أحيان كثيرة لتعيين مديرين من خارج الملاك، فإن الخيار الثاني هو الأنجع، ونعني به إجراء مسابقة بعنوان: مطلوب مدير عام!!
وأسلوب المسابقة متبع في القطاع الخاص كما هو متبع في المنظمات الدولية والإقليمية.

الخلاصة.. من السهل على مجلس الوزراء مجتمعاً أن يحدّد الشروط والمؤهلات المطلوبة لشغل منصب مدير عام لكل مؤسسة أو شركة عامة.. وبعدها تعلن الوزارة المعنية عن مسابقة “مطلوب مدير عام لـ…. على أن تتوفر في المتقدم الشروط التالية.. إلخ”.
هل في هذا الأمر معجزة؟