لا مفاوضات تحت النار
سنان حسن
بعد قرابة الشهر من العدوان الهمجي الإسرائيلي على لبنان، تفطنت الإدارة الأمريكية إلى وجود حرب في الشرق الأوسط، وأن عليها التوسط لوقفها، فأوفدت مبعوثها الخاص إلى بيروت، والذي هو بالمناسبة صهيوني ولد في فلسطين المحتلة، وخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكن اليوم يقوم بالوساطة باسم الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هل بالفعل التحرك الأمريكي عائد إلى حرصها على دماء اللبنانيين وممتلكاتهم، أم الموضوع له علاقة بالانتخابات الأمريكية التي باتت على بعد أسبوعين من الآن، أو لها علاقة برغبة “إسرائيلية” جامحة في سماع إعلان الاستسلام من اللبنانيين والإذعان لشروطها؟
مع بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، كانت الإدارة الأمريكية واضحة في موقفها منه، إذ أكدت في عدة مواقف صادرة عن البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون، أن “إسرائيل” لها الحق في الدفاع عن نفسها، وأنها لن تستعجلها في إيقاف حربها، وأنها لن تتوانى لحظة واحدة في الدفاع عن أمنها وحمايتها. وفي ضوء هذه التصريحات نستطيع أن نجزم ماذا يريد عاموس هوكشتاين من زيارته إلى لبنان؟ فهو على غرار ما حمله مبعوثو واشنطن إلى لبنان من فليب حبيب إلى ديفيد هيل وغيرهم، قادم وفي جعبته شروط الاستسلام التي وضعها متزعمو الاحتلال، وسربتها إحدى الصحف الأمريكية قبل وصوله إلى بيروت، من تعديل مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان، وتسليم سلاح المقاومة، واستباحة الأجواء، وتنصيب رئيس جمهورية على مقاسها، والمشاركة في التأكد من خلو لبنان من أي قطعة سلاح ترفع في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وغيرها من الشروط الإذعانية المهينة بحق لبنان وشعبه. وبالتالي فإن ما قدمه هوكشتاين يأتي أولاً دعماً للكيان الصهيوني وقيادته المتطرفة، وثانياً كسب مزيداً من دعم اللوبيات الصهيونية قبيل التصويت في الانتخابات الرئاسية بعد أقل من شهرين، ولكن ماذا عن لبنان؟
قبيل وصول هوكشتاين، شنت “إسرائيل” هجوماً بربرياً على ضاحية بيروت وعدة مناطق لبنانية، استهدفت فيه مشافي وفروع مؤسسة القرض الحسن وبنى تحتية ومدنية، في محاولة لإرهاب مسؤوليها قبيل استقبال مبعوث واشنطن. في المقابل، كان الميدان على الحافة الأمامية باتجاه فلسطين المحتلة، يشهد تسجيل رجال المقاومة بطولات وملاحم في مواجهة العدو الصهيوني وجنوده وفرقه العسكرية المدججة بأحدث التقنيات العسكرية والتكنولوجية، حيث حرموه من الدخول إلى أي بلدة وقرية والتثبيت فيها لأكثر من عشرين يوماً، إضافة إلى تنفيذ عمليات نوعية في العمق الصهيوني واستهداف قواعده العسكرية المهمة من يافا المحتلة- تل أبيب- وصولاً إلى الحدود مع لبنان، الأمر الذي منح المفاوض اللبناني ورقة ثقة وأمان بأن اللاءات التي يطرحها العدو غير قابلة للصرف على أرض الواقع، وعليه فقد سمع جواباً موحداً بأن بيروت ملتزمة بالقرارات الدولية ومخرجاتها، ولكن ماذا عن كيان الاحتلال، هل قادر على الوفاء بالتزاماته؟.
لقد خبر لبنان على مدى عقود الوساطات الأمريكية وخاض مسؤوليه جولات مكوكية للوصول إلى تسويات في الكثير من القضايا والمشاكل، ومع هوكشتاين كان هناك الكثير من الملفات بدءاً من ترسيم الحدود البحرية مروراً بمحاولة وقف جبهة الإسناد اللبنانية في دعم صمود أهل غزة، وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي. وفي جميعها كان المبعوث الأمريكي إسرائيلياً أكثر من الإسرائيليين، ولكن أمام ثبات المقاومة وعزيمة أبنائها كان ينقاد إلى الحل الذي يحمي لبنان وسيادته، وما جرى في عملية ترسيم الحدود البحرية مثال على ذلك.
وعليه فإن السقوف العالية مصيرها الاصطدام بثبات المقاومة ورجالها في الميدان، ولعل ما جرى بالأمس من عمليات نوعية على خطوط الجبهة هو خير دليل على ذلك، حيث استطاعت المقاومة من تفجير سبعة دبابات ميركافا، وإسقاط طائرة مسيرة من طراز هرمز، وقتل وجرح المئات من جنود النخبة للاحتلال. ولعل ما قاله مسؤول العلاقات الإعلامية في المقاومة اللبنانية بالأمس محمد عفيف يختصر المشهد: “لا مفاوضات تحت النار”.