دراساتصحيفة البعث

المنطقة العربية إلى أين؟

د. خلدون عدره

لاشك أن طرح هذا السؤال صعب للغاية في هذه الأوقات الحساسة والخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية والعالم، بسبب ضبابية المشهد من جهة، ومروحة السيناريوهات الواسعة التي توضع على طاولة مراكز صنع القرار، فضلاً عن بوادر ومقدمات توحي باحتمالية تدهور المعارك الدائرة من أوكرانيا إلى غزة وجنوب لبنان إلى حرب أكبر، خاصةً أن هناك مناطق جديدة قد تكون مرشحة للدخول في دائرة الصراع لتتداعى الأمور كأحجار الدومينو نحو مواجهة تأخذ طابع العالمية. الأمر الذي يدفع البعض للتذكير دائماً بمشروع المليار الذهبي، ونقول لهم على ما يبدو بأن هذه المشروع قد بدأ مرحلة جديدة تتسم بالمزيد من التوحش والإرهاب بحق الشعوب والأمم ، في محاولة جادة من أصحاب هذا المشروع لحرق المزيد من المراحل نحو تحقيقه .

في ظل هذه التطورات والمتغيرات الدراماتيكية يجول في خاطرنا هذا  السؤال: المنطقة العربية إلى أين؟

وهنا يمكن طرح مجموعة من السيناريوهات المحتملة، والتي لا يخلو سيناريو من مؤشرات تدل عليه بصورة مباشرة وغير مباشرة:

السيناريو الأول: استمرار الحرب ولكن بزخم أكبر، ودخول أطراف جديدة في جبهات عدة إلى الدائرة الساخنة من المعارك، مما يؤدي إلى احتمال توسع رقعة الحرب المحدودة إلى حرب يمكن أن تأخذ صفة العالمية، لأن الجميع يعلم بأن نتائج هذه الحرب سترسم معالم النظام الدولي الجديد لعقود قادمة، وبالتالي الكل سيضع أوراقه على الطاولة، بصرف النظر عن النتائج الكارثية التي يمكن تحصل.

وهذا ما نجده من خلال الجبهة الروسية الصينية التي تتشكل لمواجهة الجبهة الأمريكية الغربية، وتأخذ المواجهة أشكالاً مختلفة اقتصادية وعسكرية وتجارية …إلخ.

السيناريو الثاني: تصاعد المعارك الدائرة يوماً بعد يوم، حتى تصل إلى حافة الحرب، وهذا ما نسميه بسياسة حافة الهاوية، ولكن تقف الأحداث عند حد معين، ولا تسمح الأطراف بأن تتدهور الأمور إلى حرب أشمل، وينتهي السيناريو بوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات، والعودة بالمنطقة  إلى حالة لا سلم ولا حرب، وهذا ما رأينا بوادره من خلال مواقف عدد من المسؤولين من جميع الأطراف وتصريحاتهم حول التهدئة وتحقيق السلام والأمن.

السيناريو الثالث: تراجع حدة المعارك والمواجهة ولكن دون توقف نهائي، بحيث تتحول إلى حرب استنزاف مفتوحة، تزداد حيناً وتخبو حيناً آخر. وأعتقد أن هذا ليس في مصلحة الكيان الصهيوني، لأن التقارير الكارثية التي تبثها وسائل الإعلام الصهيونية حول حجم الخسائر الكبيرة للاقتصاد الإسرائيلي، مع الضغط الداخلي الكبير من قبل المستوطنين، لا توحي  بإمكانية استمراره بحرب استنزاف طويلة.

السيناريو الرابع: بدعم بريطاني وأمريكي وفرنسي للكيان الصهيوني قد يتمكن الكيان من احتلال غزة واجتياح الجنوب والعودة بالمنطقة إلى المربع الأول ما قبل عام 2000، وهذا ما يطرحه بعض المحللين، البعض منهم وظيفي لنشر ثقافة اليأس والإحباط، والبعض الآخر بسوء نية وتقدير، وفي كلتا الحالتين فإن هذا السيناريو يعد الأخطر على المنطقة، ويهدد الأمن القومي العربي، وهو بمثابة بدء إعلان تصفية القضية الفلسطينية من خلال تمرير صفقة القرن، ولكن هذا السيناريو مستبعد باعتراف قادة الكيان الصهيوني أنفسهم، لأن أحد الجنرالات الأمريكيين قال بأن صفقة القرن لن تمر ما دامت سورية قوية، ونقول له بأن سورية ستبقى قوية بالرغم من واقع الحرب المرير على الشعب السوري، ولكنه حقق صموداً أسطورياً اعترف به العدو قبل الصديق، عندما كانوا يعتقدون بأن سورية ستنهار خلال بضعة أشهر، ولكن أثبت الشعب السوري جدارته بالحياة الكريمة والعزيزة .

وأيضاً يتحدث اللواء احتياط في “جيش” الاحتلال، ورئيس “مجلس الأمن القومي” السابق، يعقوب عميدرور، عن استحالة تجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها، بالإضافة إلى حجم قدرتها الصاروخيّة. وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، أن المقاومة اللبنانية لا تزال عدواً قوياً رغم القصف الموسع لجنوب لبنان، بحسب ما أفاد به “مسؤولون إسرائيليون”.

السيناريو الخامس: طرحته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية نفسها عندما قالت: يمكن تشبيه حالة “المجتمع” الإسرائيلي بجذع شجرة لا يزال يبدو متيناً من الخارج، لكن حلقاته الداخلية فاسدة، وسيستمر العفن في أكله حتى انكساره الحتمي، والشجرة مريضة، إنها تموت بالفعل، حكم عليها بالموت.

وهذا الطرح قد يستهجنه البعض، ولكن العديد من مراكز الدراسات الصهيونية والغربية تقول بأن الكيان الصهيوني بعد طوفان الأقصى  ليس كقبله، بحسابات رقمية وبيانات ومعلومات اقتصادية ومالية ومعيشية ومجتمعية وسياسية وتكنولوجيا وعسكرية وردعية …إلخ.

السيناريو السادس: أن تستطيع المقاومة فرض معادلاتها الميدانية، من خلال عمليات عسكرية نوعية يقوم بها،  وإدخال صنوف أسلحة جديدة إلى المعركة، وتوجيه ضربات مؤلمة لمواقع حساسة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة،  تجبر الكيان الصهيوني على الطلب من المجتمع الدولي السعي لوقف فوري لإطلاق النار. وبالتالي تستطيع المقاومة عندئذ فرض شروطها التفاوضية، وبالتالي تسقط إلى أمد بعيد فكرة الردع الصهيوني.

السيناريو السابع: أن يستيقظ الفينيق العروبي، وينفض الغبار عن جسده المثقل بعد سنوات طويلة من الصمت والخضوع، ويقلب المشهد الإقليمي والدولي، واعتقد بأن هذه الفكرة من أكثر الأفكار التي يمكن أن تتعرض للنقد اللاذع الذي يصل إلى حد السخرية. ولكن أقول أن الأمل آخر من يموت (مثل روسي)، نعم الأمل كبير بالشعب العربي أن ينتفض ويثور وينهض من كبوته التي طالت، ويتحول إلى طوفان يقتلع جذور الاحتلال والاستيطان والرجعية والتآمر والخيانة والتواطؤ والتطبيع …إلى إلخ، ليعلن ولادة فجر جديد لهذه الأمة التي تستحق أن تعيش بكرامة وعزة وأمن وسلام.

ما سبق يؤكد بأن المنطقة العربية، وكذلك العالم على صفيح ساخن، وينحو باتجاه المواجهة الكبرى، فالكل يضع إصبعه على الزناد، إما حذراً أو خوفاً أو ردعاً ..إلخ. ولكن ما نعول عليه حراكاً عربياً رسمياً وشعبياً يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، ويثبت للعالم بأن الأمة العربية أمة حية، لها كيانها ووجودها وكرامتها وثقلها، الذي إذا ما تم تفعيله من جديد، سوف ننتهي من عهود الذل والهوان إلى عهود الفخر والكرامة والاعتزاز والنصر.