ماراثون السباق إلى البيت الأبيض
تبدو المنافسة قوية بين المترشحين للرئاسة الأمريكية، فلا يكاد يمرّ يوم إلا واستطلاعات الرأي العام تعطي مؤشرات على حظوظ المتنافسين التي تبدو متقاربة جداً، فيما تكاد المنافسة تنحصر بين ما سمي الولايات المتأرجة، وهي سبع ولايات موزعة بين الشمال والجنوب “جورجيا بنسلفانيا ميشيغان ويسكنسن اريزونا نورث كارولاينا ونيفادا”.
ودلت آخر استطلاعات للرأي العام أن كلا المترشحين يحضيان بفرص متساوية في هذه الولايات السبع الحاسمة، حيث تشير تلك الاستطلاعات التي أجرتها صحيفة واشنطن بوست وجامعة شار إلى أنهما سيحصلان على نسبة 47 بالمائة، أي أنهما متعادلان، ولم يستطع أي منهما كسر حالة التعادل، مع الأخذ بالاعتبار أن ثمة هامش خطأ لا يقل عن واحد، إلى واحد ونصف بالمئة في استطلاعات الرأي العام، لا بل أنها كانت غير دقيقة وجاءت النتائج النهائية مخالفة لها، كما في الانتخابات السابقة عندما فاز بايدن، والتي سبقتها عام 2016 التي كانت تشير إلى تقدم هيلاري كليتون بفارق كبير على ترامب، ويعزو محللي نتائج الاستطلاعات هذا التناقض إلى أن استطلاعات الرأي العام في أمريكا تركز على رأي النخب والطبقات المتوسطة، ولا تعتمد بشكل أساسي على شريحة الشباب لجهة أنهم لا يُقبلون كثيراً على المشاركة، وليسوا في أعداد المسجلين في قوائم الناخبين، ومن هنا يصبح التركيز على الدفع بشريحة الشباب للمشاركة في الانتخابات هاجس كلا المترشحين لجهة أن الفروق بين المتنافسين في الولايات المتأرجحة يكاد يكون بالآلاف فقط، ما يعني أن أصواتهم ستكون حاسمة لترجيح كفة أياً من المترشحين والفوز بأصوات الكلية الانتخابية (الكوليدج) المخصصة للولاية إذا علمنا أن الأمور محسومة تقليدياً لكلا المترشحين في 43 ولاية أكثر من نصف أصواتها للحزب الديمقراطي، وأقل من ذلك للحزب الجمهوري، ولكي يفوز المترشح بالرئاسة يحتاج للحصول على 270 صوتاً من أصل 538 صوتاً هي حاصل عدد أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وخاصة أن الانتخابات الرئاسية الأميركية هي انتخابات غير مباشرة، فالناخب ينتخب الرئيس الأميركي وفق حصص الولاية في مجلسي الكونغرس.
وبالعودة لاستطلاعات الرأي العام ومزاج الناخبين نشير إلى أن القضايا الأساسية التي يتركز عليها النشاط الانتخابي هي القضايا الاقتصادية، وليس السياسة الخارجية، فهي مسألة هامشية عند الناخب الأميركي، إلا إذا كانت أميركا منخرطة في صراع مباشر، كما كان عليه الأمر في حرب فيتنام، حيث فاز آنذاك الرئيس المترشح ريتشارد نيكسون عام 1968 بالرئاسة لتعهده بالانسحاب من فيتنام، وهو الأمر الذي حصل بعد عدة سنوات من التفاوض مع الفيتناميين الشماليين، لذلك نرى الحملة الانتخابية لكلا المترشحين تركز على قضايا الاقتصاد يضاف إليها الهجرة والضرائب والإجهاض والجريمة والمثلية والصحة والتعليم والوظائف، في حين تأتي القضايا الخارجية في ذيل الاهتمامات.
لكن الاستطلاعات الجديدة طرحت أسئلة جديدة حول مدى الثقة بوعود المترشحين، والمتعلقة بقضايا الاسكان وتكلفة البقالة والبنزين والتعريفات الجمركية، وتبين الاستطلاعات أن 46 بالمائة من المستطلعة آراؤهم يفضلون المترشحة كامالا هاريس، بينما 35 بالمائة لترامب، إضافة لما يسمى الصورة الإيجابية أو السلبية لكلا المترشحين عند الناخبين، حيث بين أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم أن صورة هاريس أكثر إيجابية من ترامب، فيما عبّر 46 بالمائة عن رأي سلبي عنها مقارنة بترامب، وفيما تعلق بالعرق واللون كانت آراء السود واللاتينيين شبه مستقرة في تأييدها لهاريس، وكذلك من يعودون لأصول إسبانية وهندية.
وفي أحدث استطلاع أجرته (رويترز – ابسوس) أطر تقدم كاملا هاريس بفارق طفيف بحصولها على 46 بالمائة من آراء المشاركين في الاستطلاع، مقابل 43 بالمائة لترامب، وهو استطلاع استمر لمدة ستة أيام، ما عزّز وجهة النظر بإمكانية فوزها بالانتخابات لجهة أن هامش الخطأ في الاستطلاعات لا يتحاوز 2 بالمائة في حال استخدام أرقام غير مفربكة.
ولعل ما يهمنا في المنطقة هو موقف كلا المترشحين من قضايانا، ولاسيما الصراع القائم، فالواضح أن ما يجري ليس في دائرة الاهتمام عند الناخبين والمترشحين في آن معاً، وليست بمسألة حاسمة في خيارات الناخبين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المرشح الجمهوري ترامب كان من أكثر الداعمين للكيان الصهيوني، وفعل ما لم يفعله أحد من رؤساء سابقين، ولديه رؤية معبراً عنها للمنطقة تتعلق بما سمي سلام اقتصادي واتفاقيات إبراهيمية وصفقة قرن سيعمل على إعادة تفعيلها في ظل تناغم واضح بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو وترامب. من هنا يصبح الحديث عن من هو سيئ أو أكثر سوءاً بالنسبة لمنطقتنا وقضايانا، ولا نراهن على من يسكن البيت الأبيض بقدر رهاننا على أنفسنا بوصفنا أبناء أمة ومنطقة لو تكاتفت وتحالفت وتشاركت لأصبح الأميركي وغيره يخطب ودها وصداقتها والتعامل بندية تامة معها انطلاقاً من المصالح العليا لكل الاطراف.
د. خلف المفتاح