هل تفرز الانتخابات الرياضية القادمة حالة مختلفة برؤى جديدة؟
ناصر النجار
تنطلق الأسبوع القادم الانتخابات الرياضية التي تشمل الأندية واللجان الفنية واللجان التنفيذية واتحادات الألعاب الرياضية وصولاً إلى المؤتمر العام.
المواعيد والتعليمات الانتخابية صدرت، والآليات التي تبنى عليها الانتخابات باتت معروفة من ناحية الشروط التي يجب أن تتوفر بالمتقدم للانتخابات من ناحية العضوية والعمر والشهادة العلمية والخبرة والسلوك، ومن يحق له الانتخاب ومن يحق له الترشح لرئاسة أو عضوية مجالس المؤسسات الرياضية.
الشرط الجديد أن من أمضى دورتين كاملتين أو دورة كاملة وأكثر من نصف دورة لا يحق له الترشح لهذا المنصب مرة أخرى في اللجان التنفيذية، والغاية من هذا البحث دوماً عن وجوه جديدة باعتبار أن الشخص الذي بقي في منصبه ثماني سنوات أو أكثر قد أفرغ ما في جعبته من أفكار وأعمال ولا بد من إتاحة الفرصة لغيره من باب التجديد وخصوصاً أن الكثير من المؤسسات الرياضية باتت مترهلة وضعيفة في أعمالها ومردودها وهي عديمة الجدوى وكأنها حبر على ورق.
وهنا نسأل: هل توفرت عوامل النجاح لكل الذين عملوا في هذه المؤسسات الرياضية؟ ومن يقيّم عملهم؟ وما آليات التقييم، لنقول: هذا نجح وهذا فشل؟
يمكن اليوم أن نتطرق إلى موضوع حيوي مهم، وهو يتعلق بأسباب النهوض الرياضي، فحتى الآن لم نعرف ما الهدف من الرياضة: هل نريدها رياضة شعبية تعتمد الهواية في أسلوبها ومنهجها؟ أم إننا نريدها رياضة احترافية تسعى إلى التفوق والتطور والمزاحمة على المراتب العليا في كل البطولات الخارجية الرسمية؟
من الطبيعي أن التعليمات والشروط الانتخابية لا علاقة لها بالأهداف، لكن من المفترض أن نحدد الأهداف لدورة رياضية جديدة ستأخذ من عمر الرياضة خمس سنوات، فإما أن تراوح مكانها، وإما أن تستعيد عافيتها وقوتها ومكانتها على الصعيد العربي والقاري على أقل تقدير.
الرياضة اليوم بكل مؤسساتها ما زالت تعيش زمن الهواية، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد، وهذا التعريف يأتي من باب الإمكانيات الموضوعة في هذه المؤسسات ومن جهة القوانين والقرارات النافذة، لذلك من المستحيل أن تتطور رياضتنا قيد أنملة، ومن المعيب أن نطالب الرياضيين ببطولات لم نستعد لها بالطريقة المفترضة ولم نهيئ لها الأبطال القادرين على حمل لواء الرياضة في البطولات الرسمية المعتمدة.
لذلك، فإن كل ما حققته الرياضة السورية في الدورة الانتخابية الماضية يتوافق مع الإمكانيات الموضوعة ومع الآليات والقرارات المتبعة، ومن وجهة النظر هذه فإن أي بطولة قارية أو دولية معتمدة نحصل عليها تأتي من طفرة رياضية خلقت من صنف الأبطال، واعتنت بنفسها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، وهذه الطفرات معدودة على الأصابع في عمر منظمة الاتحاد الرياضي العام، ومن هؤلاء غادة شعاع وعهد جغيلي ومعن أسعد وقلة قليلة أخرى.
في فترات سابقة من عمر رياضتنا، كان الحديث عن صناعة البطل الأولمبي منتشراً في وسائل الإعلام، ولكن هذا الحديث لم يكن إلا للترويج لأنه افتقد مقومات وآليات هذه الصناعة، لدينا الكثير من الأحلام والأفكار ولكننا لا نملك وسائل التنفيذ، ولا آليات العمل، ولا القوانين التي تساعد على السير قدماً في طريق الصناعة والتنمية للوصول إلى حالة التفوق والحضور الرياضي المشرف، لذلك استعضنا عن ذلك بالبطولات السياحية التي من الممكن أن نحقق فيها بطولة خلبية تغطي على فشلنا الرياضي.
من الطبيعي ألا نحمل كل الفشل الرياضي للقائمين على الرياضة، يمكن أن يتحملوا جزءاً منه، باعتبار العملية الرياضية مجموعة من القوانين والأنظمة والإمكانيات، فالقائمون على الرياضة يتحملون مسؤولية عدم قدرتهم على تحويل الإمكانات المتاحة إلى إمكانات جيدة، وهم مسؤولون عن اختيار الأشخاص في المؤسسات الرياضية، وعلى الأغلب لم نجد الرياضي المناسب في المؤسسة المناسبة، ويتحملون مسؤولية القرارات التي صدرت وتصدر ولم تصب في المصلحة العامة، يتحملون مسؤولية تفضيل المصلحة الخاصة على العامة، ويتحملون مسؤولية عدم السعي إلى تحديث القوانين وآليات العمل المتبعة التي باتت فعلاً بحاجة إلى تغيير وتعديل لتواكب الظروف المحلية على الأقل.
على سبيل المثال، قانون الاحتراف الذي صدر مؤخراً ببنوده القليلة جداً، بدأ العمل على صياغته عام 2020 عبر لجان تم تشكيلها، العمل في هذه اللجان توقفت مع موجة كورونا، ثم نامت القضية، مع العلم أنه في حال توقف النشاط الرياضي كمباريات وتمارين، ينشط العمل الإداري والتنظيمي، لذلك لم يكن مبرراً أن تسرق هذه السنوات من العمر الرياضي ليصدر قرار احترافي يتضمن بضعة بنود بعد أربع سنوات!
من القرارات التي يمكن أن تصدر ولها أهمية كبيرة جداً في عالم الرياضة قرار التخصص الرياضي، وأتذكر أنني كنت قبل أكثر من خمس وعشرين عاماً عضواً في إحدى اللجان التي تدرس التخصص الرياضي، وهو ما يحب البعض أن يسميه تخصيص الأندية ببعض الألعاب الرياضية، المهم منذ ربع قرن وحتى الآن لم يتوصل أحد إلى قرار، ولم يتم تنفيذ أي شيء فيه، ولو تم تنفيذه بشكل جزئي لحصلنا على نتائج مذهلة.
يمكن أن تكون نقطة الخلاف الأولى هي الأندية التي تملك المنشآت والملاعب والاستثمارات، هذه الأندية كانت تتقاذف الألعاب لأنها لم تكن ترغب إلا بلعبتي كرة القدم والسلة، وعندما أجبرت على ألعاب أخرى أهملتها، ومع السنوات ماتت هذه الألعاب، وعلى سبيل المثال كان نادي الاتحاد متفوقاً بألعاب الريشة الطائرة وكرة اليد والسباحة وبعض ألعاب القوة ويحمل ألقاباً مركزية فيها، في السنوات الأخيرة لم نعد نسمع بهذه الألعاب، والمشكلة أن أهلها وممارسوها هجروا هذه الألعاب لعدم الاهتمام الكافي.
إذا وضعنا الأندية الكبيرة التي تملك المنشآت والاستثمارات خارج حسابتنا في الوقت الحالي وعددها لا يتجاوز العشرين نادياً، وبدأنا العمل في الأندية الأخرى، سنحصل على نتائج باهرة مستقبلاً، وقد نجد بعض الصعوبات والعقبات في البداية لكننا سنصل إلى النتيجة التي نسعى إليها.
حسب سجلات الاتحاد الرياضي العام هناك أكثر من خمسمئة ناد منتسب إلى المنظمة الرياضية، أكثر هذه الأندية باتت حبراً على ورق ولا نسمع بها إلا عند الانتخابات، ولا نعلم عنها شيئاً، في طرطوس وحدها أكثر من خمس وثلاثين نادياً، لذلك علينا أن نسأل عن وضع هذه الأندية، وماذا تمارس من ألعاب، والكلام نفسه ينطبق على أندية ريف دمشق، وهاذان مثالان فقط من محافظات كثيرة.
دعونا نسأل أيضاً: غادة شعاع وعهد جغيلي من أين خرجا، خرجا من أندية ريفية بسيطة، ومثلهما الكثير من الأبطال ولا نحتاج للتعداد والتذكير، لذلك الاتجاه يجب أن يكون نحو الأندية الريفية وعلينا تذكر أن دريكيش كانت متفوقة بكرة اليد والسودا بالكرة الطائرة ومثلها السقيلبية وصلخد والنبك والسلمية، هذه أمثلة بسيطة، لذلك فإن القرار الحازم والحاسم أن يتم تنشيط الأندية الريفية ودعمها، وتخصيصها بالألعاب الرياضية بعيداً عن كرتي القدم والسلة، ومن أراد من هذه الأندية العمل بكرة القدم فلا بأس بشرط أن تكون لديه لعبة رياضية متفوقة، حتى لا تأكل كرة القدم كل جهد وتهدر المال بلا طائل، وهنا نسأل: نادي معضمية الشام يلعب كرة القدم وسط زحمة من فرق كرة القدم في البلدات من حوله، ليس لديه لاعبين من البلدة، ودوماً يبحث عن لاعبين هنا وهناك، ويستجدي المال من هنا وهناك، وفي كل موسم على هذا الحال، دون أي فائدة فنية أو رياضية، هذا النادي لو تحول إلى لعبة رياضية استثمارية كأحد ألعاب القوة، لاستطاع رعاية لعبة وتخريج أبطال منها دون الحاجة إلى أحد، مع العلم أنه يملك ملاعب متعددة يمكن استثمارها بشكل جيد وحسن.
في المحصلة العامة لا تخشوا على كرة القدم، فلن تموت، وهذه الملاعب الشعبية وفرقها تستوعب كل عشاق كرة القدم.
هذا غيض من فيض والفكرة الأولى التي طرحناها اليوم لا تحتاج أكثر من قرار بسيط ومتابعة، والفائدة كبيرة وتصب في مصلحة النهوض الرياضي، وربما وجدنا بين هذه الأندية الريفية الفقيرة مواهب وخامات على شاكلة شعاع وعهد ومعن أسعد، وربما أحيت هذه الأندية ذكرى أبطال الملاكمة والمصارعة والجودو التي تعاني من مقدمات الاندثار.