دراساتصحيفة البعث

رئيس الناتو يتولى عباءة سلفه كرجل مطيع للولايات المتحدة

عائدة أسعد

قبل تولي مارك روته منصب الأمين العام لحلف الناتو في الأول من تشرين الأول الجاري، كانت هناك آمال في أن يتخذ قرارات أكثر توازناً واستقلالية من سلفه ينس ستولتنبرغ، حتى أنه حاول إقناع روسيا وأوكرانيا بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في أقرب وقت ممكن. ومع ذلك فإن اجتماع وزراء دفاع الناتو الذي ترأسه رئيس الوزراء الهولندي السابق الأسبوع الماضي كذّب هذه الآمال.

لم يكن اجتماع وزراء دفاع الناتو في بروكسل يومي الخميس والجمعة بأي حال من الأحوال تجمعاً لتبادل وجهات النظر حول الوضع الأمني العالمي، ولكن بدلاً من ذلك، كانت مناسبة لرئيس الناتو الجديد لتولي عباءة سلفه كرجل مطيع للولايات المتحدة.

ومع مشاركة شركاء حلف شمال الأطلسي المقربين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ -أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية- والاتحاد الأوروبي في الاجتماع التنفيذي لحلف شمال الأطلسي، خطت المنظمة، تحت قيادة روته، خطوة كبيرة إلى الأمام في تحويل حضورها الرمزي في قمتي حلف شمال الأطلسي في مدريد العام الماضي وواشنطن في وقت سابق من هذا العام إلى ممارسة روتينية مثيرة للقلق.

ورغم أن تفاصيل الاجتماع لا تزال غير معروفة، فإن المعلومات الانتقائية التي اختار حلف شمال الأطلسي الكشف عنها تظهر أن القوة الوطنية المتنامية للصين كانت بمثابة السبب الرئيسي لحلف شمال الأطلسي لتبرير توسّعه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

فقد قال روته: “إن مشاركة شركاء حلف شمال الأطلسي في منطقة الهند والمحيط الهادئ والاتحاد الأوروبي في اجتماع وزراء الدفاع علامة واضحة على تعميق تعاوننا في مواجهة التحديات المشتركة. لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا أن عدم الاستقرار في أوروبا يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى في جميع أنحاء العالم، وأن البلدان التي تبعد آلاف الأميال -مثل إيران والصين وحتى كوريا الديمقراطية- يمكن أن تصبح مفسدة للأمن في فنائنا الخلفي، إن عالمنا مرتبط ارتباطاً وثيقاً، وكذلك أمننا”.

حتى أن روته تفوق على سلفه عندما أعلن علناً أنه على استعداد لتحقيق رغبة أوكرانيا في أن تصبح عضواً في حلف شمال الأطلسي، وهي الخطوة التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها استفزاز خطير لروسيا، ومن شأنها أن تزيد من تعقيد أزمة أوكرانيا. وقال روته: “في الوقت الحالي يبدو أن أوكرانيا ستكون رقم 33 وستكون عضواً في حلف شمال الأطلسي في المستقبل، وهذا ما قررناه في واشنطن، لذا فإن السؤال الآن يتعلق بالجدول الزمني.. ثم السؤال بالضبط حول… متى لا يمكنني الإجابة الآن…”.

كما قال: “إن الحلفاء بحاجة إلى التحرك بشكل أكبر وأسرع لمواجهة التهديدات المتزايدة التي نواجهها، وهذا يتطلب المزيد من القوات والقدرات والاستثمارات لتحقيق الأهداف الطموحة التي حدّدتها خططنا الدفاعية”.

من الواضح أن روته كان ينفذ مهمّة واشنطن المتمثلة في دمج الأمن مع التكنولوجيا والتجارة والعمل المناخي من خلال التعميم المفرط لمفهوم الأمن الذي يعتقد الغرب بقيادة الولايات المتحدة أنه سيثبت فعاليته في مواجهة التهديد الصيني.

ومع ذلك، فإن وعد الناتو بمساعدة أوكرانيا، أو ما يُسمّى بالتزامه باحتواء الصين ليس جديداً. وفي حين أدى الأول إلى تفاقم الوضع الأمني في أوروبا، فقد أدّى الأخير إلى تدهور العلاقات بين الصين وحلف شمال الأطلسي، وهو أمر مؤسف لأنه قبل اندلاع أزمة أوكرانيا، كان لا يزال بإمكان الصين وحلف شمال الأطلسي التواصل مع بعضهما البعض بحسن نيّة للسعي إلى العمل معاً للتعامل مع التهديدات الأمنية المشتركة.

وكما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، فإن الصين لديها أفضل سجل بين الدول الكبرى عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على السلام والأمن، لذلك من المأمول أن يلقي حلف شمال الأطلسي نظرة فاحصة على ما فعله بالبنية الأمنية في أوروبا، وعليه أن يتأمل في عواقب إثارة المواجهة بين الكتل، ويتوقف عن تشويه سمعة الصين ويرى الصين على حقيقتها: دولة محبة للسلام وموجهة نحو التنمية.