مقاربة أميركية خاطئة
علي اليوسف
من الخطأ الاعتقاد بأن الاعتداء الإسرائيلي على إيران جاء بقرار أحادي من حكومة الكيان الصهيوني، لأن منطق المعادلات العسكرية لا يبيح هذا التجرؤ لأسباب كثيرة، أهمها أن القوة الإيرانية والحالة النفسية المرتبطة بالكمّ الكبير من اغتيال قادة المقاومة على أراضيها، وفي سورية ولبنان والعراق، يؤهلها لتكون على استعداد مطلق لقلب كلّ المعادلات، بما فيها الحرب الواسعة.
وبتحليل الحقائق الموضوعية على الأرض، نرى أنه منذ عقد من الزمن، بدأت إيران بكسر ميزان القوة العلمي لصالحها، وتمكّنت من أن تحتلّ المواقع الأولى في الشرق الأوسط في الكثير من التخصّصات العلمية، وهو ما أهّلها للإعلان عن تفوقها في مجال القوة الصاروخية، ومجال الطيران المُسيَّر، وحتى أصبحت لديها القدرة على القيام بهجمات سيبرانية على الكيان وردع هجماته.
لذلك إن الاعتداء الإسرائيلي على إيران لم يكن إلا بالوكالة عن الولايات المتحدة التي ترى فيه درساً لباقي دول المنطقة الساعية للتخلص التدريجي من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي بدأت ملامحه تلوح في الأفق من خلال الدخول في مجموعة البريكس، أو الشروع في بناء مفاعلات نووية للأغراض السلمية.
الملفت في تحوّل مجريات الحرب هو الانحراف الكبير بشكل مثير للدهشة، إذ اتجهت الأنظار إلى لبنان وإيران بدلاً من قطاع غزة. وهو ما يؤكد أنه على مدى أكثر من عام، فشلت إدارة بايدن في ردع إيران وباقي أطراف تحالف المقاومة عن شنّ هجمات صاروخية وإرسال طائرات مسيّرة وسفن عبر البحر الأحمر إلى “إسرائيل”، إسناداً لغزة. بل على العكس، وجدت القوات الأمريكية نفسها في أحيان عديدة في صراع مباشر مع المقاومة في اليمن والعراق، وتعرّض عدد من قواعدها لهجمات، وسقط في بعضها جنود أميركيون قتلى وجرحى.
كانت الجبهة اللبنانية أكثر ساحات الإسناد لقطاع غزة تأثيراً، ونتيجة لذلك، فإن إستراتيجية إدارة بايدن تكشّفت الآن، وباتت محل شكوك كبيرة، إذ إنها تطلبُ الأمر وتفعل نقيضه، عبر استمرارها في تسليح حكومة نتنياهو اليمينة المتطرفة، وتقديم كلّ أشكال الدعم العسكري والاستخباراتي والسياسي والدبلوماسي لها. ولهذا، لم تعمل إدارة بايدن هذه المرة على إقناع “إسرائيل” بالامتناع عن الردّ، وهو ما يمثل اختلافاً بيّناً عن سلوكها في نيسان 2024، عندما شجعت “إسرائيل” على عدم الردّ أو الاكتفاء بهجوم رمزي بعد نجاح التحالف الإقليمي والدولي الذي قادته الولايات المتحدة حينها في التصدي للهجوم الإيراني.
ضمن هذا الواقع، ومن بين ما نستخلصه، فإن الكيان والولايات المتحدة، كما شهدت الصحافة الصهيونية ذاتها بعد هذا العدوان الباهت، تأكدا أنهما فقدا القدرة على الردع (آفي أشكنازي في صحيفة معاريف)، وبتعبير آخر لم يعودا كما كانا في السابق يخيفان الآخرين بتفوقهما المُطلَق وقدرتهما الخارقة على التدمير. فما حدث أول أمس يُبيِّن أنه رغم الدعم الأمريكي والبريطاني والفرنسي والحلف الأطلسي المباشر، لم تستطع القوات الصهيونية مهاجمة أهداف حيوية في إيران مثلما فعلت مع اليمن في الحديدة، لأنها باتت تُدرك حجم الردّ الإيراني في حال استهداف مثل هذه الأهداف، وهو ما يؤكد انهيار نظرية الردع الصهيونية على جميع المستويات، بما في ذلك المستوى النفسي، حيث لم يضطر الإيرانيون للجوء إلى الملاجئ، خلافاً للصهاينة الذين كانوا في الوقت ذاته يختبئون من صواريخ المقاومة في لبنان واليمن والعراق، وجنود احتلالهم لا يستطيعون السيطرة الكاملة على شبر واحد من غزة بعد كل التدمير الهمجي الذي ارتكبوه طيلة أكثر من سنة في القطاع.