بطل من هذا الزمان.. رواية المقاومة الروسية!
حسن حميد
اتفق نقاد أدب الشاعر الروسي المعروف، ميخائيل ليرمنتوف، على أنّ نثره لا يقل أهمية عن شعره، وأنّ روح الرومنسية التي اتصفت بها قصائده هي الروح الرومانسية التي اتصف بها نثره أيضاً.
قرّظت روايته (بطل من هذا الزمان) كثيراً حتى عُدّت من أهم الروايات التي عرفها الأدب الروسي، من أيام ألكسندر بوشكين (1799 – 1837)، وحتى أيام تولستوي (1828 – 1910)، بل عُّدت من أهم كلاسيكيات الأدب الروسي.
تقوم الرواية على خمسة فصول، كل فصل منها يشكّل قصة قصيرة مستقلّة بعنوانها، وحدثها، ومآلاتها، ولا يجمع بينهما سوى البطل الواحد (بيتشورين). ومن السهولة بمكان أن تقرأ الرواية كقصص مستقلة كل واحدة منها عن الأخرى، كما أنه من السهولة بمكان أن تقرأ رواية ذات فصول لأنّ كل فصل منها يشير إلى تطور شخصية البطل بيتشورين، على أكثر من صعيد عاطفي وفكري.
بطل الرواية بيتشورين ضابط في الجيش، صاحب نزعة رومانسية يحب العزلة والوحدة، يشك في الجميع، مثلما يشك في نفسه، وينتقد المجتمع الذي يحتشد بالمظالم والمفاسد والعيوب، رجل يتصف بالتناقض وهو ينظر إلى الواقع وفق مرآة الأحلام، وإلى الحب وسط عالم مكتظ بالكراهية، وإلى النبل في أجواء علاقات تعتمد الخسة، والسفالة، وإلى الطمأنينة في عالم يموج بالقلاقل والمخاوف.
في الفصل الأول.. أو القصة الأولى من الرواية، وعنوانه (بيلا) يتحدّث مكسيم مكسيموفتش عن بيتشورين رفيقه في السلاح، الذي عاش في القلعة، في خدمة أحد أمراء التتار، وعلاقتهما بالأمير، واسمه عزمت، وهو في عمر الخامسة عشرة، يتصف بالشجاعة، ويحب المال، ولا يتوانى عن اقتراف أي موبقة من أجل الحصول على المال. يدعو الأمير التتاري بيتشورين إلى حفلة زواج ابنته الكبرى مع مجموعة من الضباط، وهناك يرى بيتشورين ابنته الصغرى، واسمها (بيلا)، وهي أكبر من أخيها عزمت بسنة واحدة، أي هي في السادسة عشرة من عمرها، فتاة عذراء جميلة، ساحرة، فوقع حبها في قلب بيتشورين.
بيتشورين يختطف بيلا ويعيش معها محتجزة، مأسورة داخل القلعة، حاول بيتشورين أن يتقرب منها، ولكنها رفضته. لذلك قرر، وبعد مضي الوقت، وتعدد المحاولات الفاشلة للتقرب منها، أن يعيدها إلى والدها، وأن يغادر القلعة؛ عندئذ تقبل بيلا على بيتشورين وتمنحه ودّها.
رواية (بطل من هذا الزمان) رواية تصور المفاسد والمظالم والأحوال السلبية التي عرّشت فوق الحياة الروسية وسط أحوال سيطرة الغرباء (التتار) على أجزاء واسعة من الأراضي الروسية، وانعدام الثقة بين الناس، وانحسار القيم النبيلة أمام القيم الدونية، وشيوع السرقات، وأفعال اللصوص.
رواية (بطل من هذا الزمان)، تصور صمود الشعب الروسي، وتعلّقه بأرضه وتراثه، وعاداته، وتقاليده أمام ثقافة وافدة، هي الثقافة التي جاءت بها جيوش التتار، وهي ثقافة قائمة على السحق، والخوف، والقتل، والأذيات، والمكاره، والقوة العمياء من جهة، والحفاظ على تعاضد أفراد البيت الروسي، والعمل على الخلاص من الأعداء الغرباء الذين احتلوا الأرض بالقوة من جهة أخرى.
عدت رواية (بطل من هذا الزمان) رواية بطولة الشعب الروسي، لأنّ ميخائيل ليرمنتوف المولود سنة 1814 والمتوفى سنة 1841 رحل منتحراً في مبارزة عبثية، أراد للرواية أن تكون شاهداً على جسارة الروس ومواجهتهم للحياة الجديدة التي أراد التتر فرضها بالقوة، وشاهداً على صلابة المقاومة الشعبية الروسية ضد كل محتل غازٍ.
ترجمت الرواية إلى اللغة الفرنسية، ومنها انتقلت إلى معظم اللغات الأوروبية، وعدّت أدباً روسياً ينتمي إلى التراث الروسي العريق، وإلى أدب المقاومة العالمي.
Hasanhamid55@yahoo.com