أندرو عيسى: الكتابة سهلة أما الأدب فصعب
حسن يوسف فخّور
“لماذا تركضينَ هاربةً أيَّتها المجنونة؟ حقولُ عبَّادِ الشَّمس لا تأكُلُ الشَّمس” لو قرأ رياض الصالح الحسين خاطرة أندرو هذه، لاستماحنا عذراً باقتباس قصيدته والتصرف فيها بما يتناسب مع شاعرية الكاتب الشاب التي تتشابه كثيراً مع فطنة نزار قباني في رسم مشاعره بصورةٍ مكثفة وغريبة.
التلقائية هي السمة التي تغلب على أدب الخواطر الذي حجز مكانةً قيّمةً لأندرو عيسى بين الكتّاب الشباب؛ إذ انسلّت أول خاطرةٍ دوّنها من زحام الأفكار قبل أكثر من ثمانية أعوامٍ، أثناء انشغاله بالتحضير لامتحان شهادة الثانوية العامة، ولا يذكر عنها شيئاً سوى أنها كانت تحمل البحر بين كلماتها، قرأتها والدته وحبيبته، وهما من شجعاه على الكتابة حينها.
“الكتابة هي أفضل تعبيرٍ عن الذات” الذكرى التي استعادتها الشاشة الزرقاء، فعدها أندرو إشارةً قويةً لكي يتخذ الكتابة ملاذاً، هكذا بدأت حكايته مع الكتابة، يكتب مشاعره يومياته خواطره بشكلٍ عفويٍ من دون أي مسؤوليةٍ أدبيةٍ، لاحقاً شعر أن عليه الكتابة عن الناس وأوجاعهم.
يشبّه أندرو خطواته وانتقالاته بمستويات الوعي الأدبي بالشكل الحلزوني وفق مبدأ الاصطفاء؛ إذ وصل، مؤخراً، إلى مبدأ أن يكتب سيرته ويومياته ومشاعره وكأنه يكتب عن الناس جميعاً، فمن يقرأ أندرو يجد له ذكرى مع حبيبةٍ مرّت كالحلم، مشبهاً إياها بمعجزة السمكة والخبز للسيد المسيح، إذ يعتقد بأنه ببعض الكلمات يشبع شعور الملايين من الناس، ومن هنا بدأ يشعر بالمسؤولية، مؤمناً بأنّ الأدب رسالةٌ، فاتجه إليه بشكلٍ أكثر تنظيماً وتشذيباً، لأن الكتابة سهلة أما الأدب فصعب، فهو محاكاة لمشاعر الناس، مؤكداً أنّ الكتابة حق للجميع أما الأدب بحاجةٍ للاجتهاد.
ما يزال أندرو يكتب في “طور البراءة”، وعلى الرغم من قراءته لمختلف الأجناس الأدبية، ودرايته الكافية بقواعدها، لا يشعر الكاتب العشريني بالميل نحو نوعٍ محدد منها، إذ ما يزال يكتب بعفويةٍ، لكنه بدأ مشروع كتابة روايةٍ، لم يفصح عنها شيء، ولا يعلم متى تنتهي، فهو مستمتعٌ بهذه التجربة الجديدة في مسيرته، متأثراً بأدباءٍ مثل خالد الحسيني والراحل حسن سامي يوسف الذي ألهم أندرو شغف كتابة السيناريو كأولٍ حلمٍ للشاب الطموح، وهو ما يلّح جمهوره وأصدقاؤه عليه دائماً، لكن أندرو شعر، مؤخراً، بمسؤوليةٍ أكبر تجاه اللغة العربية؛ إذ يؤمن بأنّ عليه إتقانها وتبسيطها ونقلها إلى الناس قبل تطويعها، محاولاً استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لإعادة إشعاع اللغة، فهي واحدة من أفضل وأغنى اللغات في العالم؛ إذ جعلت لكل شيءٍ مسمى وفق تعبيره من مبدأ أحد الفلسفات العالمية التي تقول: “توجد الأشياء بعد أن نسميها”، وهي النور الذي أضاء عتمة طريق أندرو في لحظات تخبطه؛ لذا يشعر بالامتنان لها، ويرسم خريطة واضحة المعالم لإعادة ألقها في أذهان الناس ويقدمها للأجيال المتتابعة، مثلما يفعل الأدباء العرب الذين يحاولون الحفاظ على لغتهم وتطويعها للدفاع عن ثقافتهم ونقل تراثهم الحضاري في خضم الحروب التي تهدد وجودنا، الأمر الذي يعده أندرو مسؤوليةً عليه إكمالها من خلال تصوير حياة الناس وآلامهم وآمالهم التي ألهمته إياها روايتا “ألف شمسٍ ساطعة”، و”عداء الطائرة الورقية”.
أدب اليوميات أحد أقرب الأجناس الأدبية إلى أندرو ويؤسفه أنها لا تأخذ حقها على الرغم من جماهيريتها، فهي الأبسط والأقرب إلى الناس، خاصةً أنه يغلّب عليها اللهجة العامية التي تلامس يومياتهم وواقعهم، وتسهّل تواصل الكاتب معهم، مع تأكيده مكانة الفصحى وأهميتها في الأدب عموماً.
ويرفض أندرو فكرة جمع خواطره بكتابٍ أسوةً بالعديد من أبناء جيله الذين تجرأوا على ذلك وأكثر، أما بالنسبة إليه فالكتاب يجب أن يحمل محوراً متكاملاً كالقصص والروايات وغيرها، بالإضافةً إلى كونه يحب بناء الشخصيات وتغذية المشاعر من خلال تصاعد الأحداث وتكثيف المواقف التي لا تسمح له الخاطرة بذلك، ويؤمن أندرو بأنّ الكتابة ممارسةٌ يومية حتى ولو اعتمدت على موهبة الكاتب، وإن كانت فعلاً نبيلاً يرى الكاتب الشاب أنّ الأفعال النبيلة أيضاً تحتاج إلى ممارسةٍ يومية، راجياً من الشباب الذين يكتبون حديثاً ألا يتوقفوا عن ممارسة الكتابة، وأن يحملوا دفتراً صغيراً أو يستثمروا التطور التقني للأجهزة المحمولة ويدوّنوا كل ما يجول في خواطرهم، فالموهبة وحدها من دون التدريب والممارسة لا تصنع من الكاتب أديباً.
يستثمر أندرو عيسى بوسائل التواصل الاجتماعي، فيدوّن يومياته وخواطره، ويلخّص الكتب والأفلام والمسلسلات الدرامية، كما يخصص فقرةً للغة العربية، ويحضّر نتاجه الأول، وينشر العلم والثقافة والمحبة، ويلتقط لحظات السعادة ونشوة الحب بأسلوبه الشاعري البسيط المتمرد على الحزن والجهل والظروف، مؤمناً بأنّ “التَّمرُّد على شيء يحتاجُ إلى إيمان ومعرفة أكثر من اعتناقهِ”.