استعراض الضعف ولحظة الصراع الحرجة
أحمد حسن
في نتائجه الإستراتيجية لم يكن العدوان، أو ما سُمّي بالرّد الإسرائيلي على إيران سوى استعراض للضعف لا للقوة، وكما في كل أمر مماثل كان لا بدّ أن يرافقه استعراض آخر لعدم الفهم من جهة البعض، وللعمالة الفاقعة من جهة البعض الآخر.
أما الضعف فقد أوضحته وقائع الميدان – القتالية قبل الإجرامية – فأصبح مكتفياً بذاته لا يحتاج إلى دليل من خارجه لإثباته، وإن كانت وسائل إعلام الصهاينة ذاتها قد تبرّعت بتقديم المزيد من هذه الدلائل حين سخرت من النتائج المحدودة للعدوان على إيران، رغم استخدام 120 طائرة حربية و300 طائرة مسيّرة في العملية، وخاصةً أن آمال ضمان “حالة ردع طويلة”، بعد “ردّ كبير”، كانت فحوى الحملة “التهويلية” الكبيرة المسبقة التي قام بها “سادة” الكيان وأتباعهم –عملائهم- من كل حدب وصوب.
بيد أن دلائل ذلك الضعف لا تتوقف على ذلك “الردّ” الواهي فقط، كما أنها لم تبدأ بمجرّد انتهاء مجرياته، وربما يمكن القول إنها بدأت حين انتقلت الحرب من كونها عملاً يمارسه العدو بإراداته المنفردة فوق أراضي الآخرين تدميراً واغتصاباً وإلحاقاً، إلى فعل يُمارس، تحريراً، داخل ما اعتبره أسطورياً “أرضه التاريخية الموعودة”، ثم إنه، أي ذلك الضعف، بدأ يتظهّر ويتفاقم حين انتقل العدو من حلم عام 1982 بالقدرة على اجتياح لبنان مثلاً بـ “فرقة موسيقية” إلى حقيقة وقوف الفرق الأساسية والنخبوية في “الجيش الذي لا يُقهر” عاجزة، وبعد أسابيع عدّة من التدمير الممنهج، عن “التثبيت” الفعلي في “غزّة” المدمرة أو في أي قرية لبنانية على الحدود مع الأرض المحتلة.
وذلك ما يشي باقتراب دخول “الكيان” في حالة تراجع إستراتيجيّ مع استنفاد قدرته على تحقيق إنجاز ميداني يتعدّى ارتكاب المجازر وأعمال القتل الفاجرة، وتلك –وعلى الرغم من فداحة الجانب الإنساني فيها- إلّا أنها دليل بيّن، كما تخبرنا دروس التاريخ، على دخول “القوة”، مطلق قوة” في حال من التداعي والانكسار.
وأما عن سوء الفهم، فهو للأسف الشديد، أصبح أمراً ملازماً لجوقة أنصار “عنزة ولو طارت” من الاستراتيجيين العرب، ولو كان بعضهم مناصراً للمقاومة، الذين لا يتبرعون فقط بتوسيع رقعة دعاية العدو عن قدراته الهائلة، بل إنهم يعتبرون أن خططه التوسعيّة التي ينشرها عامداً متعمداً ستجد طريقها إلى التنفيذ متجاهلين أن التاريخ لا تصنعه الرغبات بقدر ما تصنعه العزائم.
وأما عن العمالة فحدّث ولا حرج، وربما كان في “تغطية” البعض الصحفية للعدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، ما يفضح بعضها، فالمخاوف من التصعيد تزايدت بحسب “البعض” منذ مطلع الشهر الحالي “عندما أطلقت إيران نحو 200 صاروخ باليستي على (إسرائيل)”، أي ليس عندما بدأت “إسرائيل” مجزرتها ضد الجميع، ثم إن التوتّر – هكذا “التوتّر” فقط – تفاقم أيضاً في ظل الصراع المحتدم في لبنان”.. انتبهوا “الصراع في لبنان” وليس “العدوان الإسرائيلي عليه!!” وتلك ليست “تغطية” صحفية لما يحدث بقدر ما هي تغطية مقصودة على المجرم وتشويه للحقائق وللوعي، وذلك دور مدفوع الأجر على كل حال.
إذاً، حين تبدأ “قوة لا تُقهر” باستعراض كامل، أو معظم، مصادر قوتها ثم يكون المردود ضعيفاً والناتج هزيلاً، وحين تتحول عمليات القتال إلى عمليات قتل مجردة دون تحقيق إنجاز ميداني ما، فذلك استعراض علنيّ للضعف، وذلك أيضاً، في “كيان” يقوم على القوة ولا شيء غيرها، دليل على اقتراب “الطوفان”، وتلك لحظة حرجة للجميع، الجميع دون استثناء.