هل ستستفيد سورية من منصات “بريكس” الاقتصادية والمالية للتحرر من العقوبات وهيمنة الدولار؟!
علي عبود
لم تكن قمة “بريكس+” التي انعقدت يوم 22/10/2024 عادية، فقد كانت استثنائية في قراراتها ومقترحاتها وبيانها الختامي وحجم المشاركين فيها بالإضافة إلى حشد من الضيوف والإعلاميين، وهي المرة الأولى التي تعقد فيها اجتماعاً بعد انضمام خمس دول جديدة إلى المجموعة التي أكد الخبراء أنها تفوقت على مجموعة السبعة الكبار “جي7”.
ويمكن القول أن قمة “بريكس+” كانت متميزة بالشكل والمضمون، بدليل اهتمام العالم الغربي بفعالياتها، بعد أن شنّ عليها قبل بدء فعاليتها حملة من الأكاذيب والإشاعات إلى حد أن صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية اتهمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يخطط من خلال دول البريكس لهزيمة الدولار!
المهم بالنسبة لأعضاء مجموعة البريكس ولدول الجنوب أن القمة أعلنت عن عدة منصات اقتصادية ومالية دخلت حيّز التنفيذ تدريجيا تتيح لها التحرر من العقوبات الأمريكية ومن هيمنة الدولار للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
سؤال محلي
وبما أن سورية مثل دول كثيرة تخصع لعقوبات قسرية أحادية الجانب أرهقت اقتصادها وشعبها منذ عام 2011 على الأقل، وبما أن هذه العقوبات تزداد وتشتد أكثر فأكثر، فإننا نتساءل مع ملايين السوريين: هل ستستفيد الحكومة من “منصات بريكس” لتتحرر من العقوبات الأمريكية والأوروبية ومن هيمنة الدولار؟
منافس قوي للسبعة الكبار
يضم تكتل البريكس أكثر من 45 % من سكان العالم ويستحوذ على مالايقل عن 30 % من الاقتصاد العلمي باعتراف بيانات البنك الدولي (الأمريكي)، والرقم مرشح للزيادة مع انضمام المزيد من الدول الساعية للتحرر من النظام المالي الأمريكي الذي يهيمن على التجارة العامية وثروات المعمورة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبعد انضمام خمس دول جديدة هي السعودية والإمارات وإيران ومصر وإثيوبيا فقد زاد حجم الاقتصاد في تكتل بريكس بمقدار 3.24 تريليون دولار، مما يجعله منافساً قوياً لمجموعة “جي7”، بل أن المؤشرات تؤكد بأنه سيحتل المرتبة الأولى في العالم اقتصادياً ومالياً واستثمارياً، وسيحرر الجنوب وكل الدول الخاضعة للعقوبات الآحادية الجانب من الغرب ومن هيمنة الدولار.
وما يؤكد مكانة البريكس ليس حصتها من التجارة العالمية التي وصلت إلى 16 % فقط، وإنما أيضاً نسبة النمو الاقتصادي التي ستتجاوز 3.8 % في عام 2025 مقابل 3% لاقتصاد دول “جي7”.
نظام بديل عن “السويفت”
وما يُثير مخاوف دول “جي7”، وغضب أمريكا، ليس قيام تكتل اقتصادي جديد وقوي في عالم الجنوب، وإنما ما يخطط له التكتل على صعيد إطلاق عملة بديلة للدولار، ونظام تسوية مالي جديد بديلا عن “السويفت” الأمريكي، وهذا الأمر لم يعد حلما عصيّ على التحقيق، بل بات أمرا واقعا، فدول مجموعة بريكس تخلّت بنسب كبيرة عن الدولار وبدأت بالتعامل بالعملات المحلية في تجارتها البينية، وأيضا مع الدول الصديقة التي أخضعتها أمريكا لعقوباتها.
وحسب ما صدر عن قمة بريكس الأخيرة فإن نظام المدفوعات الخاص بدولها سيباشر عمله خلال عام، وسيتيح إجراء تسويات عبر الحدود باستخدام منصات رقمية تديرها البنوك المركزية.
ولن يقتصر الأمر على إطلاق بديل للدولار، بل بدأت بريكس بتفعيل “بنك التنمية” ومركزه شنغهاي في الصين، وهو بديل عن “البنك الدولي” الذي أفقر الكثير من دول العالم وأرهقها بديون لا تقوى على تسديدها كي تبقى خاضعة للغرب الاستعماري.
والملفت إن الدول التي لا ترغب حالياً بالانضمام لمجموعة “بريكس”، أو بانتظار قبول عضويتها، تقدمت بطلبات للاستفادة من “بنك التنمية” لتنفيذ مشاريع حيوية وضرورية لشعوبها بدون شروط سياسية.
نعم، بدأت مجموعة “جي 7” تلمس بأن مجموعة “بريكس+” تهدد مصالحها، في حين تُكابر أمريكا ولن تعترف بسهولة وخلال الأمد المنظور أنها تفقد سيطرتها السياسية وهيمنتها المالية على العالم تدريجيا وبسرعة، مع كل دولة قوية وحليفة لها بالانضمام إلى مجموعة “بريكس+” الصاعدة، وخاصة من القارة الأفريقية التي تعرضت لنهب منظم لثرواتها على مدى العقود الماضية من الغرب الاستعماري.
7 مؤشرات لقوة بريكس
السؤال الذي يطرحه كل من لا يعرف أهمية قيام تكتل منافس لتكتل “جي7”: ما المعطيات أو المؤشرات التي تبرهن على القوة الاقتصادية لمجموعة “بريكس+”؟
لقد بدأت “بريكس” في عام 2006 بـخمس دول: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وانضمت إليها بعد زيادة فعاليتها في العالم خمس دول جديدة في بدايةعام 2024 (الإمارات وإيران ومصر والسعودية وإثيوبيا) ليتغير اسمها إلى “بريكس+”، وأثبتت في قمتها الأخيرة التي انعقدت في 22/10/2024 انها من أضخم التكتلات الاقتصادية الواعدة في العالم.
ويؤكد الخبراء تفوق “بريكس+” على مجموعة السبعة الكبار “جي7” من خلال 7 مؤشرات تجعلها تتربع على عرش الاقتصاد العالمي وهي:
1 ـ المساحة الجغرافية: تشكل مجموعة “بريكس+” 33.9 % من إجمالي مساحة اليابسة على الكرة الأرضية مقابل 16.1 لمحموعة “جي7”.
2 ـ التعداد السكاني: يبلغ عدد سكان دول“بريكس+” نحو 45.2% من تعداد سكان العالم مقابل 9.7% لسكان مجموعة “جي7”.
3 ـ الاقتصاد: يشكل حجم الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة “بريكس+” استنادا لمعيار القوة الشرائية نسبة 36.7 % من الاقتصاد العالمي مقابل 29.6 لتكتل “جي7”.
4 ـ احتياطات النفط: تبلغ احتياطات دول مجموعة “بريكس+” من النفط الخام 45.8 % من إجمالي الاحتياطات العالمية بحسب بيانات 2023 مقابل 3.9 % لتكتل “جي7”.
5 ـ الصادرات: استحوذت مجموعة “بريكس+” على 24.9 % من إجمالي الصادرات العالمية في عام 2022 مقابل 27.9 لدول “جي7”.
6 ـ القمح: بلغت كميات القمح المنتجة في دول “بريكس+” نحو 44.7 % من إجمالي محصول القمح العالمي في عام 2022 مقابل 19.7 % فقط في دول “جي7”.
7 ـ الأرز: بلغت نسبة إنتاج الأرز في دول “بريكس+” 54.8 % من إجمالي الإنتاج العالمي في عام 2022 مقابل 2.4 في تكتل “جي7” وهو مادة أساسية للغذاء ويدخل في أغلب المنتجات الصناعية الغذائية.
الاستغناء عن الدولار
ما صدر عن مجموعة “بريكس+” يغري كل الدول الساعية للتحرر من الوحش الأمريكي: عملة بديلة للدولار، ومؤسسات مالية دولية بديلة للبنك والصندوق الدوليين، ومنصة رقمية بين البنوك المركزية للدول الأعضاء للتعاملات التجارية البينية دون الحاجة لبنوك المراسلة، أي دون وسيط ثالث يسيطر على التعاملات بين الأعضاء ..الخ.
ومن المهم الإشارة إلى ما جاء في “إعلان قازان لدول بريكس” بعنوان: “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين” : (نوعز إلى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في بلداننا بمواصلة النظر في مسألة استخدام العملات الوطنية وأدوات ومنصات الدفع وتقديم تقرير عن النتائج خلال الرئاسة المقبلة)، وهو إعلان يؤكد قرار المجموعة الحاسم والنهائي باستخدام وسيلة دفع بديلة عن الدولار.
وريثما يتم إقرار العملة البديلة، فإن قادة البريكس شددوا على استمرار استخدام العملات الوطنية في المعاملات المالية، ليس بين دول المجموعة فقط، بل أيضا بين دول“بريكس+” وشركائها التجاريين.