أمة النور وتحدي القراءة الواهجة
غالية خوجة
ترتجف اللغة الداخلية للإنسان وهي تصطدم بأمواج ذاكرته، فتتأرجح التحولات وظلالها، وتتشابه الأمكنة كما تتشابه بلادنا، وقلوبنا، وقيمنا العربية، وتتشكّل ملامحنا بسيمياء فيها من المورثات العربية ما اختاره الخالق لنا، وفي ذلك حكمة بالغة تعكسها فطرتنا المزهرة بأجمل لغات العالم لأنها لغة القرآن الكريم، ومنها نتعلم ثقافة المحبة والقيم والجمال والسلام والطمأنينة، وآداب الحياة والممات، والتأمل والتفكّر في المعرفة الراقية.
وبفضائل هذه اللغة وبنيتها المتناغمة ظاهراً وباطناً نكمل ما ينقصنا، ونفهم جماليات الوجود واللا وجود، وما بينهما من مبادئ، وما فيها من علاقات متداخلة، وعلائق متشعبة، وتكوينات متآلفة من بيئة وكائنات وجمادات ومخلوقات، كما تساعدنا على فهم أنفسنا سيكولوجياً، وفهم مجتمعنا بمختلف أبعاده، ومنها النفسية والفكرية، وفهم العالم والكون والفراغ، وهذا يساعدنا على التقارب، لأننا مخلوقات خُلقت للتعارف لا للتضارب والتحارب، خصوصاً، وأننا العرب قوم نتمتع بوحدة المشاعر المنسجمة نفسياً واجتماعياً وتربوياً وتاريخياً وحضارياً وثقافياً، وشعورنا لا يتزحزح بالانتماء الواحد، والهوية الواحدة، واتحادنا واحد في الدفاع عن الحقوق، والالتزام بالواجبات، والعمل بضمير، والاستمرار في الوعي النوراني، وتحويل الحياة إلى جمال مضيء.
هذه الموجة تلاطمت مع موجة أخرى في دبي، فأزهرت لقاء جميلاً مع وفدنا العربي السوري الراقي، وما يعكسه من انتماء اتضحت نتائجه بالفوز بجائزتين في تحدي القراءة العربي، وهو ما يحدث لأول مرة عبْر مسيرة هذه المبادرة، عبّرتا عن الجهود المتضافرة الأشبه بخلية النحل، وهي حالة ليست طارئة، بل مؤسسة منذ أزمنة، وتزدهر مع الأزمنة.
ورغماً عن الحرب الإرهابية، والظروف الاقتصادية، والآثار التدميرية، نالت سوريتنا الحبيبة جائزتين، والملفت أن التنسيق والإشراف محور مهم يضاف إلى بقية المحاور، مما جعل التناغم المنهجي ملفتاً، ومتألقاً، ضمن المسار البياني للمشاركة السورية، وهذا سر من أسرار النجاح وجمالياته.
أمّا المركز الذي دارت في فلكه هذه الإيقاعات فكانت العائلات السورية والعربية المهتمة بأبنائها تربية وعلماً ولغة، المانحة للطاقة الإيجابية والتفاؤل والطموح والأمل، والمقتنعة بأنه لا مستحيل، القابلة بكافة النتائج لأنها واثقة من طاقتها وتطويرها، لا سيما فئة ذوي الهمم التي تُعلّمنا معنى الإرادة والإصرار والتفاؤل بالمستقبل والتمسك بالعمل ثم الأمل.
من يرى المشهد الرائع في “أوبرا دبي”، ورفرفة الأعلام العربية، والأطفال العرب، يثق بأن المستقبل للعروبة، وأنه لا خوف على اللغة العربية وقيمها ومجتمعها وإنسانها، مهما كانت الظروف مظلمة، لأن كل ذلك يوحي باستمرار النور مع أمة النور، ولغتها التي يحتفل العالم بيومها العالمي في “١٨” كانون الأول، التي تضم تحت لوائها ٤٦٧ مليون نسمة، وتتألف من ٢٨ حرفاً، و١٢ مليون و٣٠٢ و٩١٢ كلمة، و١٦ ألف جذر لغوي، وهي لغة واعية، مضيئة، ومتطورة، ومرنة، وتستوعب لغات وألسنة وطبائع العالم، وقوية الحضور على مرّ الأزمنة، وعمرها أكثر من ١٤ قرناً، وهي وحدها لغة الضاد، أي لغة الضوء والنور، فهنيئاً لأطفال يحملون في أعماقهم وعقولهم وأرواحهم كل هذا الضوء المشعّ، وهنيئاً للإمارات العربية المتحدة بهذه المبادرات التي تجمع أمتنا العربية الواحدة، وهنيئاً لسوريتنا الحبيبة بهذه الأضواء المضافة لحضارتنا العريقة.