أين نحن من تبعات تغيرات “الفائدة الأمريكية”..؟!
كثيراً ما تلحّ علينا التساؤلات الآتية: هل نتأثر برفع أو خفض سعر الفائدة الأمريكية؟ وكيف يتمثّل هذا التأثير على اقتصادنا الوطني، إن كان هناك تأثير مباشر أو غير مباشر؟ وإن كان هناك انعكسات نتيجة لذلك، فهل نحن قادرون على مواكبة تلك الانعكاسات وتتبع تداعياتها على أسواقنا، وبالتالي القدرة على استثمار إيجابياتها ومواجهة سلبياتها والحدّ منها؟
لا شكّ أننا لسنا معزولين عن العالم، وخاصة ما يحدث فيه على كافة الأصعدة، ولاسيما منها الاقتصادي والنقدي، حيث التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع سعر الصرف أمام سلة العملات العالمية، دليل بأننا نتأثر.. تساؤلات، وواقع اقتصادي ونقدي عالمي بمفاعيلة وتأثيرته يتطلّب منا تناول ودراسة آثار انخفاض سعر الفائدة الأمريكية بعد وصولها إلى مستويات مرتفعة، لعلّ وعسى نستطيع تجنّب آثارها السلبية ومحاولة اقتناص ما يمكن من إيجابيات إن أمكننا ذلك.
لأجل ما سبق، سنحاول الوقوف على ما يراه الخبراء الاقتصاديون في موضوع خفض الفائدة الأمريكية، إذ إنهم ينظرون إلى انخفاض سعر الفائدة كوسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، وذلك عندما تصبح تكاليف الاقتراض أقل، ويُقبل الأفراد والشركات والحكومات على الاقتراض بشكل أكبر، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي، وهو الهدف الذي تسعى له الحكومات وصنّاع السياسات الاقتصادية، لتعزيز النمو الاقتصادي أو الهروب من شبح الركود، وهذا ما دفع الفيدرالي الأمريكي إلى خفض الفائدة 50 نقطة أساس مؤخراً، لكن القصة بحسب الخبراء لا تنتهي هنا، فمع انخفاض سعر الفائدة يحدث تحوّل في سوق العملات، وعادة يؤدي هذا الانخفاض إلى ضعف العملة المحلية، حيث يتطلع المستثمرون إلى عوائد أعلى في أماكن أخرى، ورغم أن هذا يبدو سلبياً، إلا أن له جانباً إيجابياً يتمثل بأن الصادرات المحلية تصبح أرخص في الأسواق العالمية، ما يعزّز من تنافسية المنتجات الوطنية بين الاقتصاديات.
أما في عالم الاستثمار، فيلاحظ المستثمرون مع انخفاض الفائدة، أن العوائد على السندات والأدوات المالية التقليدية بدأت تتضاءل، ونتيجة لذلك، يتحولون نحو الأسهم وزيادة نشاط الأسواق المالية والدفع بالأموال إلى الاستثمارات البديلة، أي الاقتصاد الحقيقي، لكن هذه التغيّرات لا تأتي دون مصاعب، لأن هناك مخاوف حقيقية من تكوين فقاعات اقتصادية، ولاسيما من الدول التي كان لديها تضخم حقيقي وعرض نقدي مرتفع ومشكلات في جانب العرض لبعض قطاعاتها الاقتصادية، والدول أكثر حظاً هي التي لديها مشكلات اقتصادية هيكلية أقل، واقتصادها لا يعاني اختلالاً كبيراً ما بين العرض والطلب، حيث إن هناك احتمالات لارتفاع أسعار الأصول مثل العقارات والأسهم بشكل غير مستدام، إضافة إلى ذلك قد تستغل بعض الدول انخفاض تكاليف الاقتراض لزيادة الدين العام، ما يضع ضغوطاً على الميزانيات الوطنية في المستقبل، ولاسيما الدول الناشئة، وستظلّ تلك الديون آمنة ما لم تتجاوز ثلث الناتج المحلي.
في خضم هذه التغيّرات يبقى التضخم هاجساً يلوح في الأفق، فبينما تسعى البنوك المركزية لدعم النمو الاقتصادي، يجب على صنّاع السياسات الاقتصادية الحذر من أن يؤدي ذلك لارتفاع معدلات التضخم، والدول التي لديها توافق مع الاقتصاد الأمريكي، من حيث سعر الفائدة وكفاءة الناتج المحلي، سيكون موضوع الخفض أمراً إيجابياً، لكن الدول التي تختلف مع النموذج الأمريكي من حيث نوع السياسة الاقتصادية وهيكل الاقتصاد وحجمه ستكون عليها مسؤولية أكبر في إدارتها الاقتصادية، أما الدول التي لديها تنوع اقتصادي وقاعدة تصديرية فستكون سياساتها الاقتصادية مستقلة نسبياً عن تبعية الفائدة الأمريكية.
وفي النهاية، تجد الأسواق العالمية نفسها في رحلة معقّدة مع انخفاض سعر الفائدة، وبينما تسعى لتحقيق الاستفادة القصوى من الظروف، تبقى الموازنة بين دعم النمو وتفادي التضخم والأخطار الاقتصادية طويلة الأمد الهاجس الأكبر، لهذا سنرى عدداً من الدول الناشئة تحاول تجنّب الصدمات الخارجية والحدّ من التأثيرات السلبية للتقلبات الاقتصادية العالمية، من خلال دعم الطلب المحلي وتشجيع الاستثمار المحلي وتوسيع الإنفاق على البنية التحتية، وتجنّب دعم الأصول المتضخمة، بما في ذلك العقارات والعمل على جذب استثمارات أجنبية لقطاعات تنمو دورياً، ولم تحصل على نصيبها من النمو الكافي خلال الفترة الماضية. والسؤال الختام: أين نحن واقتصاديونا وإداراتنا الاقتصادية والمالية والنقدية، مما يحدث حولنا؟!
Qassim1965@gmail.com