دراساتصحيفة البعث

صقور الإعلام يقرعون طبول الحرب ضد إيران

سمر سامي السمارة

ينشر صنّاع الرأي البارزون في وسائل الإعلام الغربية وابلاً من المقالات التي تحمل خطاباً عدوانياً يصور إيران بالمعتدي على “إسرائيل”، التي زعموا أنها تمارس ضبط النفس، وذلك بهدف إثارة الغضب العام وقرع طبول الحرب ضد طهران.

وتحت عنوان “إيران تفتح الباب أمام الانتقام”، زعمت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الهجوم الصاروخي الذي أطلقته إيران في الأول من هذا الشهر ضد “إسرائيل” “يستوجب رداً يستهدف المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، مضيفةً أن هذا هو الهجوم الثاني لإيران منذ نيسان الماضي، ولا يمكن لأي دولة أن تسمح بأن يصبح هذا السلوك أمراً طبيعياً جديداً”.

وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” بعنوان: “نحن بحاجة ماسة إلى التصعيد في إيران”، وصف الكاتب المحافظ بريت ستيفنز، الضربات التي شنتها إيران في نيسان وتشرين الأول على “إسرائيل” بأنها عدواناً يتطلب رداً عسكرياً أمريكياً-إسرائيلياً.

الملفت في الأمر أن هذه المقالات أغفلت عمداً الذكر بأن الرد الإيراني في الأول من تشرين الأول، كان نتيجة للاغتيالات التي نفذتها “إسرائيل” مؤخراً والتي أدت إلى استشهاد قادة في الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، خاصةً بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران،  كما أن الضربات الإيرانية في نيسان أتت بعد هجوم “إسرائيل” على القنصلية الإيرانية في دمشق. ومع ذلك، تبجحت صحيفة “بوسطن غلوب” بنشر مقال زعمت فيه أن  الرد الإيراني  كان بمثابة عدوان، وكأن السماح لمثل هذه الاغتيالات سوف يصبح أمراً طبيعياً جديداً.

وفي مقال آخر نشرته “نيويورك تايمز” في  الثامن من الشهر الحالي، كتب ستيفنز  أنه يأمل في انتصار “إسرائيل” في حربها ضد ما أسماه  “محور العدوان” الذي تقوده طهران، في إشارة للتحالف بين القوى المقاومة للولايات المتحدة و”إسرائيل” من فلسطين واليمن ولبنان وإيران، أي “محور المقاومة”، مضيفاً أنه يتعين على الأميركيين أن يعتبروا أنفسهم محظوظين لأن “إسرائيل” تتحمل العبء الأكبر من الحرب، وأقل ما يمكننا فعله هو أن نشجعها.

وتابع ستيفنز بكل وقاحة: “إن أولئك الذين يهتمون بمستقبل الحرية لابد وأن يأملوا في انتصار “إسرائيل”، لأننا نعيش في عالم يشبه بشكل متزايد ثلاثينيات القرن العشرين، عندما كانت الدكتاتوريات الماكرة والعدوانية تتحد ضد الديمقراطيات الضعيفة المنغلقة على نفسها والتي تتجنب المجازفة، مضيفاً أن الدكتاتوريات اليوم تعرف كيف تشم رائحة الضعف، وسوف نعيش جميعاً في عالم أكثر أماناً، إذا ما ذاقت هذه الدكتاتوريات في الشرق الأوسط أخيراً طعم الهزيمة”.

من الواضح أن وسائل الإعلام الغربية المضللة، تصور كعادتها إيران وكل دولة تدافع عن حقوقها على أنها دولة معتدية، متناسيةً عمداً أن إيران كانت ضحية للولايات المتحدة لمدة 45 عاماً،  وادعائها بأن إيران تسببت بمعاناة الآلاف من الأميركيين ما هو إلا محاكاة ساخرة للتاريخ، فالحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الولايات المتحدة هي من تسببت بمعاناة ملايين الإيرانيين لمدة 71 عاماً، بدءاً من الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً في البلاد محمد مصدق في عام 1953، إلى دعم الدكتاتورية البهلوية الوحشية حتى عام 1979، وصولاً إلى فرض عقوبات جائرة على  الشعب الإيراني مستمرة حتى يومنا هذا.

بناءً على ما سبق، إن الإدعاءات الكاذبة التي تحاول وسائل إعلامهم وصناع الرأي المحافظين، مثل جورنال وغلوب وستيفنز إظهار إيران بأنها دولة معتدية على الولايات المتحدة، ليس فقط غير مقبول، بل ومثير للسخرية.

في الواقع، تلجأ وسائل الإعلام الغربية، إلى إستراتيجية دعائية لا أساس لها من الصحة، تلمح من خلالها إلى عودة وشيكة للحرب العالمية الثانية إذا لم تسحق الولايات المتحدة “الأشرار” في العالم الثالث في الوقت الحالي، متجاهلةً أن مستقبل الحرية معرض للخطر بسبب غزو التحالف الأمريكي الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واللبنانية وقتل وتهجير شعوبها، وأن الشراكة الأمريكية الإسرائيلية هي الخطر الإقليمي والعالمي الحقيقي، لأن “إسرائيل” والولايات المتحدة هما النظامان الخطيران اللذان يجب الدفاع عن العالم المتحضر ضدهما.

لم يتوقف المعلقون الإعلاميون الغربيون عند الضربات الإيرانية فحسب، بل تمادوا بالكذب والإدعاء واصفين إيران، بأنها “خطر إقليمي وعالمي”: فقد كتب ستيفنز في الأول من الشهر الحالي، أن “إيران تمثل تهديداً خطيراً ليس فقط “لإسرائيل” وإنما أيضاً للولايات المتحدة وكل ما تبقى من النظام الدولي الليبرالي الذي من المفترض أن نقوده”.

كما نشرت “غلوب”  في افتتاحيتها، أن التهديد الذي تشكله إيران يمتد إلى ما هو أبعد من حدود “إسرائيل”، فمن الواضح أن المجلة ليس لديها أي مشكلة مع صادرات الأسلحة الأمريكية والتي تستخدم لارتكاب الفظائع ضد المدنيين، وفي كثير من الأحيان تتسبب بإبادة جماعية كما هو الحال في غزة اليوم.

وكما هي العادة، يستحضر أولئك الذين يتوقون إلى شن حرب على إيران شبح السلاح النووي الإيراني، فقد نشرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” مقالين في أقل من أسبوعين يحثان على شن هجمات على إيران بناءً على التهديد النووي المزعوم، حيث زعم  الصحفي الإسرائيلي “يوسي كلاين هاليفي” في مقاله الذي نُشر في 10/7/2024: “إيران على عتبة الحصول على السلاح النووي… واللحظة الحاسمة في هذه الحرب الرامية إلى استعادة الردع الإسرائيلي ضد التهديد الوجودي ستكون منع إيران من الحصول على السلاح النووي”. وبعد عشرة أيام، كتب الصحفي أورييل هيلمان في “لوس أنجلوس تايمز” – 17/10/2024 – “مع تزايد عدوانية إيران، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يفكروا بجدية في الخيار العسكري لتدمير المواقع النووية الإيرانية”.

بالرغم من الوثيقة الصادرة عن دائرة أبحاث الكونغرس  في20/3/24، نُشرت في شهر آذار الماضي، تشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران لا تمتلك حتى الآن تصميماً قابلاً للتطبيق لسلاح نووي أو نظام تفجير، لكن زعمت الاستخبارات الأمريكية إن إيران يمكنها تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لثلاثة أجهزة نووية في غضون أسابيع إذا اختارت القيام بذلك.

ومع ذلك، أشار هيوستن جي وود، الأستاذ الفخري للهندسة الميكانيكية والفضائية والمتخصص في أجهزة الطرد المركزي الذرية وغيرها من القضايا النووية، إن الأمر “سيستغرق من إيران ما يصل إلى عام لتصميم سلاح بمجرد حصولها على ما يكفي من الوقود النووي”.

وبحسب المختصين، فإنه حتى لو كانت إيران تسعى للحصول على أسلحة نووية، فلا شيء بموجب القانون الدولي يدعم فكرة أن “إسرائيل” والولايات المتحدة لهما الحق في مهاجمة إيران، فلم يكن من حق الهند مهاجمة باكستان لمنع منافستها من بناء سلاح نووي، لكن وسائل الإعلام المضللة الناطقة  باسم الاستخبارات الغربية،  تفرض أن قواعد مختلفة تنطبق على إيران.

يُظهِر التاريخ الحديث أن إيران التزمت بخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، والمعروفة شعبياً باسم “الاتفاق النووي الإيراني”، والتي بموجبها قيدت إيران تطويرها النووي في مقابل تخفيف جزئي للعقوبات الأمريكية، وتمسكت بالصفقة حتى بعد أن تخلت عنها الولايات المتحدة من جانب واحد. وقبل أن يلغي الرئيس دونالد ترامب الاتفاق في عام 2018، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران “تنفذ التزاماتها المتعلقة بالنووي” بموجب الاتفاق، وفي العام الذي أعقب إلغاء الولايات المتحدة للاتفاق، كانت إيران لا تزال تفي بجانبها من الصفقة.

بالطبع، إن الافتراض الحاسم غير المعلن في المقالات التي كتبها ستيفنز وهاليفي وهيلمان ومحررو الصحيفة هو أن الأسلحة النووية الافتراضية لإيران تشكل حالات طوارئ يجب معالجتها على الفور بقصف البلاد، في حين أن الترسانات النووية الهائلة الموجودة بالفعل في واشنطن وتل أبيب لا تستحق أي قلق.