المستعمرة الصهيونية المسماة “إسرائيل” تكشف قبح أيديولوجيتها
هيفاء علي
بعد أكثر من عام من العدوان الإسرائيلي السافر المتواصل على معسكرات الاعتقال التي تبلغ مساحتها 365 كيلو متراً مربعاً في قطاع غزة، حيث كان 2.300.000 نسمة يحاولون البقاء على قيد الحياة تحت الحصار لمدة 18 عاماً تقريباً، فقد تمّ حسم الأمر بالتأكيد، حيث كشفت المستعمرة الصهيونية المسمّاة “إسرائيل” للعالم أجمع عن قبح أيديولوجيتها.
وبالنظر عن كثب، يمكن القول إن هذه المستعمرة هي المجموع التراكمي لكلّ الأخطاء، وكل التجاوزات وأسوأ ما يمكن أن يرتكبه البشر عندما يتركهم الإفلات من العقاب ينفذون أدنى غرائزهم من جرائم القتل الجماعي، والتفجيرات العشوائية المعروفة باسم “الضربات المستهدفة”، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واستخدام الأسلحة الأكثر تطوراً والأشدّ فتكاً ضد السكان المدنيين المحرومين من كلّ شيء، بما في ذلك الغذاء والماء والرعاية الصحية، جميعها يرتكبها الكيان الصهيوني كل يوم بدم بارد وبدعم غير مشروط ولا محدود من القوى الغربية “المتحضرة”.
يضاف إلى ذلك، غضب مدمّر ضد كافة المؤسّسات التعليمية وكل آثار الماضي الأثري الفلسطيني، الإسلامي والمسيحي، وتشجيع المذابح التي يقوم بها المستوطنون، والتي تتمّ بحماية من قبل جيش الاحتلال، والاستخدام الواسع النطاق للتعذيب النفسي والجسدي باستخدام الأجهزة السائدة لقتل وإعاقة أي شخص، بما في ذلك الأطفال الأبرياء.
باختصار، ما يحدث هو إبادة مطلقة تمّ ارتكابها بعناية من قبل قتلة من ذوي الياقات البيضاء، والتي لا يمكن أن تحركها إلا عقلية عنصرية عميقة متعطّشة للقتل الجماعي. وبينما يدافع محور المقاومة عن أرضه وحقه من أجل التحرير، فإن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي البائس يدمّر كل ما يتحرك بأسلحة الدمار الشامل، التي غالباً ما تحظرها الاتفاقيات الدولية.
وبينما يلتزم محور المقاومة بالحدّ الأدنى من القواعد وفق قانون الحرب، فإن الكيان الصهيوني يطلق العنان لإجرامه وساديته لرغبته في استئصال كلّ ما لا يشبهه، وحتى بعد الردّ الإيراني في الأول من تشرين الأول على اغتيال إسماعيل هنية وسماحة السيد حسن نصر الله، فقد أطلقت مئات الصواريخ باتجاه الكيان الصهيوني، على القواعد العسكرية ولم يتمّ توجهيها نحو المدنيين. وبالتالي يمكن للجميع الآن تحديد من هم الإرهابيون، ومن هم المقاومون، ولهم، بموجب اتفاقيات القانون، الحق في الدفاع عن أنفسهم ضد مثل هذا النظام العنصري والإجرامي.
إن المستعمرة المسمّاة “إسرائيل” والتي على رأسها الصهاينة الظلاميون الذين تؤيدهم أغلبية كبيرة من سكانها -بحسب مختلف الاستطلاعات الداخلية- ولا تؤيدهم في ممارساتها الشنيعة، تثبت أنها حقاً حثالة الإنسانية، وفي حين يغادر الأقل تضرراً المنطقة ليعودوا إلى بلدانهم الأصلية، بينما يذهب الأكثر جنوناً إلى هناك لإشباع دوافعهم العنصرية، وهذا يدلّ على العقلية التي تدفع هؤلاء المرضى. وبالتالي، فإن أي حكومة وأي جمعية وأي فرد يدعم أو يشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في جهود الإبادة الجماعية التي يرتكبها هذا النظام المتعطّش للدماء، هو متواطئ وبالتالي يتحمّل المسؤوليات نفسها.
على الرغم من أن أعلى السلطات القانونية في العالم، من خلال محكمة العدل الدولية في لاهاي، بتّت في مسألة الممارسات العسكرية للنظام الصهيوني بأنها “إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين، إلا أن القادة السياسيين الغربيين فضّلوا أن يصمّوا آذانهم، وأن يواصلوا علاقاتهم مع هذا النظام المنبوذ ودعمهم له، وأن يأمروا وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها بالتستر على جرائم وأهوال هؤلاء القتلة.
اليوم يستمر ما تصفه أعلى السلطات بالإبادة الجماعية، دون أن يتمكن أحد من فعل شيء، بحيث يجبر صنّاع القرار السياسي الغربيين على اتخاذ قرارات فورية لإنهاء المأساة المطلقة التي يعيشها الفلسطينيون منذ عقود.
ورغم كلّ هذه الفظائع في معسكر الإبادة في غزة، إلا أن الميزة الأهم أن “طوفان الأقصى” أماطت اللثام عن الوجوه الحقيقية لأولئك الذين يحكمون الغرب، الذين اعتادوا على الاختباء وراء الخطب الطنانة والرنانة. والميزة الكبرى لـ”طوفان الأقصى” أنها جاءت في عصر الإنترنت لتكشف لأعين العالم كل قذارة المبشّرين بديمقراطية الغرب الكاذبة.
وفي نهاية المطاف، سيتغيّر هذا العالم، ولن تعود العلاقات بين بعض الدول إلى ما كانت عليه مرة أخرى، كما أن الشارع الغربي لا يجب أن يبقى عاجزاً لا يستطيع فعل شيء حيال تواطؤ قادته في جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الفلسطينيون، بل هناك المزيد الذي يتعيّن عليه القيام به.
لذلك وبحسب محلّلين غربيين، يجب على الشارع الغربي التحرك بقوة والقيام بإغلاق جميع المراكز الحيوية في الدول الغربية مثل وسائل النقل، والطرق السريعة، والمطارات، ومحطات القطار، والموانئ، والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الخدمات اللوجستية التي تسمح للتروس بالدوران دون تصادم. كما يجب تنظيم الإضرابات عبر النقابات التي يجب أن تتحمّل مسؤولياتها على مستوى أدوات الإنتاج والمجتمعات، وتدعم المقاطعة من خلال الحملات الإعلامية، وتجعل الوصول إلى المؤسّسات الوطنية والأوروبية مستحيلاً لجميع موظفي الخدمة المدنية الذين يشاركون في هذه الإبادة الجماعية. ناهيك عن قطع كافة العلاقات التجارية والدبلوماسية مع هذا النظام الإرهابي، من خلال وقف الاتفاقيات المتعدّدة التي تصبّ في صالحه وتضفي عليه غطاء من الشرعية، بما في ذلك على المستوى الثقافي والرياضي، فضلاً عن إغلاق سفاراته، وتسريح موظفيها.
ويضيف هؤلاء المحللون أنه إذا لم يتحرك الشارع الغربي بشكل أكثر حزماً الآن، بعد التطهير العرقي الذي شهده قطاع غزة، فلسوف يصل التطهير إلى الضفة الغربية والقدس، وهذا ما يجري اليوم، حيث سيتمّ تدمير المسجد الأقصى لصالح ما يسمّى “الهيكل الثالث”، وسوف يرى العالم في الوقت نفسه، هذا النظام النازي يوسّع حدوده بموافقة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية.