ثقافةصحيفة البعث

“أنا وليلى” حكاية الحب الحزينة

أمينة عباس

تُعدّ أغنية “أنا وليلى” إحدى أشهر القصائد التي غنّاها ولحَّنَها الفنان كاظم الساهر، وكان محرضها حكاية حب حزينة رواها الباحث د. أنس تللو في المنتدى الاجتماعي، وكان الساهر شاهداً على فصولها الأخيرة وقادته إلى أغاني العاشقين، فحطّ رحاله عند أغنية “أنا وليلى” التي تتشابك بشكل أو بآخر مع القصة التي كان كاظم الساهر شاهداً عليها.

في سرده لقصة الأغنية يقول تللو: “وقع الشاب العراقي حسن المرواني في حب فتاة من أسرة غنية، وكان ينحدر من أسرة فقيرة، وحين صارحها بمشاعره صدَّته، وكانت خطبتها لشاب آخر غنيّ، ليسحب المرواني أوراقه وأقلامه ويترك العنان لمشاعره لتكتب كلمات من أجمل ما كُتب في الشعر العربي في العصر الحديث، وكانت قصيدته الوحيدة في حياته باسم “أنا وليلى واشطبوا أسماءكم”.

عندما وصلت أبيات القصيدة للمطرب كاظم الساهر يذكر تللو ما جاء على لسانه قائلاً: “عندما قرأت كلمات أنا وليلى بقيت أبحث عن الشاعر خمس سنوات، ثم نشرتُ إعلاناً لمعرفة مؤلف تلك القصيدة، فكان كل من يدَّعي أن هذه قصيدته يجلب لي بيتين أو أربعة أو خمسة أبيات من القصيدة إلى أن حضر إلى الاستديو رجل فقير، وهو أستاذ لغة عربية يدرّس في إحدى القرى ببغداد، وقد أحضر القصيدة كاملة وهي مؤلفة من اثنين وستين بيتاً واسمه حسن المرواني، وحين بدأتُ بتلحينها في الاستديو بحضوره بكى، وقال لي: أنا لست شاعراً وكتبت هذه القصيدة تعبيراً عن حالة إنسانية مررتُ فيها أيام الدراسة الجامعية، وقد أعادت لي ذكرياتي القديمة”.

كان حسن المرواني شاباً من عائلةٍ فقيرة جداً في إحدى قرى بغداد، يشقى ويدرس، وأصبح طالباً في جامعة بغداد، ويصفه تللو: “كان إنساناً بسيطاً، لكنه صاحب لسان بديع وكلمات براقة وقعت أنظاره على فتاة تسمى ليلى فأحبها وأحبته واتفقا على الزواج بعد التخرج، وفي السنة الأخيرة من العام الدراسي أتت ومعها خطيبها، فصُدم حسن المرواني وترك الدراسةَ لفترة زمنية، وكان للمرواني صديق حميم أخبره أنه كتب قصيدة عن قصته مع ليلى، وحين اقترب موعد حفل يوم التخرج دعاه الصديق إلى حضور الحفل وعرض عليه قراءة القصيدة فيه، فوافق على الحضور بشرط ألا يقرأ شعراً، وفي يوم الحفل حاول صديقه أن يقنعه مرة أخرى بقراءة قصيدته، لكنه أكد رفضه، وبعد وقت قليل وضعه أمام الأمر الواقع حين خاطب الحضور بأنهم سيستمعون إلى قصيدة من حسن المرواني، فوقف حسن مندهشاً ومستنكراً، فقال له صديقه: إما أن تقرأها أو تخسرني نهائياً، فامتثل لطلبه وخاطب الحضور قائلاً: “سألقي عليكم قصيدتي الأخيرة في هذه المسيرة” وجال بعينيه بين الأصدقاء فإذا بليلى جالسة وخطيبها إلى جانبها فنظر إلى الحبيبة نظراتٍ حزينةً وقال: “يا ليلى كثيراً ما يسألونني ما دامت قد رفضَتْكَ فلماذا لا تبحث عن واحدة أخرى؟ أتدرين ما كنتُ أقول لهم؟ لا بأس أن أشنق مرتين، لا بأس أن أموت مرتين، لكني وبكل ما يجيده الأطفال من إصرار أرفض أن أحب مرتين، ثم بدأ بقراءة القصيدة التي يتحدث فيها عن حبه ومعاناته: “ممزقٌ أنا، لا جاهٌ ولا ترفٌ، لو كنتُ ذا ترفٍ ما كنتِ رافضةً حبي، لكن عسرَ الحالِ مأساتي”.

ويستمر تللو في قراءة أبيات القصيدة سارداً الحكاية بتشويق ليبين للحضور أن خطيب الفتاة انسحب من حياتها بعد أن علم بما كان بينهما، وقال إنه لا يمكن أن يتزوج فتاةً متعلقٌ قلبُ رجلٍ آخرَ بها إلى هذا الحد، وإنه لم يكن يدري أن هناك في الكون عشقاً بهذا الشكل”.

ويخبرنا تللو: “تزوجت ليلى من رجل آخر ورحل حسن المرواني إلى الإمارات، ومنذ فترة وجيزة وبعد أن مضى على القصة أكثر من أربعين عاماً سُئِل المرواني عن رأيه في فعل ليلى التي كسرت قلبه شاباً قال ما ذكر في القصيدة قد يحمل سبباً لموقف ليلى وهي نفت أن تكون من النوع الذي يأخذه حبّ المال والجاه، لكن أنا بررت وعزوت القضية إلى الجانب المادي، وهي معذورة وأنا قلت لها: “لو كنت ذا ترف ما كنت رافضة حبي ولكن عسر الحال مأساتي” وهذا آلمها، وأما أنا في الوقت الحاضر فأقول: “لها الحق في أن تسعى إلى حياة أفضل وتبحث عن رجل أفضل”.

أما المفاجأة الممتعة التي تشفي غليل بعض المستمعين الذين لا يعرفون قصة الأغنية فهي كما يقول أنس تللو أن “ليلى اتصلت بحسن المرواني بعد أربعين عاماً تعاتبه كيف صورها باحثةً عن المال فكرهها الناس، والمفاجأة الأكبر أنها لجأت إلى أحد الشعراء فأخذ على عاتقه أن يرد على قصيدته بلسانها في قصيدة على نفس وزن قصيدة “أنا وليلى” بطريقة المعارضة الشعرية، فقالت: “قطعتَ شوطاً من التشهيرِ في ذاتي، فلتصمـتِ الآن ولتبـدأ حكاياتـي، قلـتَ أحبـكِ واستنفـذت قافيـةً، تبكي وتشكو وأكثـرتَ اتهاماتـي، كم ساذجٌ أنتَ في قولٍ وفي عمـلٍ، لم تقـدّر عـن جهـلٍ معاناتـي”.

وفي قصة حقيقية كان أنس تللو شاهداً عليها يقول: “حدثت في دمشق لطالب كان في كلية التجارة عام 1966 تعرّف خلالها وهو الشاب الفقير على فتاة أرستقراطية معروفة في المجتمع السوري ورغب بالاقتران بها واتفقا على الزواج، ومن تصاريف القدَر العجيبة أنه في اليوم التالي جاءته منحة للسفر، فاضطر على السفر إلى بيروت مدة أسبوع، ثم اضطر على السفر إلى ألمانيا من أجل المنحة عام 1970، ولم يكن هناك اتصالات ولا فيسبوك ولا جوالات ولا هاتف أرضي ولا عنوان، وحين عاد إلى سورية عام 1992 بقي يبحث عنها ويحاول الوصول إليها ليقدم لها اعتذاره على أنه لم يغدر بها، إنما اضطر على السفر، وبعد أربع وخمسين عاماً وجدها وكتب روايته “أميرة الزمن الجميل”، معتذراً فيها عما حصل من دون أن يحقق مبتغاه في رؤيتها، ومكتفياً بلقاء ابنتها التي وجدته أبا حنوناً لها بعد رحيل والدها، ولعلها تعوضه عن حنان البنت”.