تعدّدت السيناريوهات والقرار للمقاومة
بشار محي الدين المحمد
يبدو إن “إسرائيل” وحتى الآن ما زالت تتوهم بأنها قادرة على “القضاء على المقاومة”، ولكنها على ما يبدو لم تجد قراءة التاريخ، فالمقاومة الوطنية اللبنانية الموجودة على الأرض الآن هي ذاتها الجيل الذي ولد على هدير الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، هذا على سبيل المثال لا الحصر. لذلك إن الغباء الإسرائيلي حتى الآن يقرّر “انتصاراته” آخذاً بعين الاعتبار معياراً واحداً للانتصار يقتصر على الحرب العسكرية، وهذا خاطئ بمعايير كثيرة، ومهما زادت الضغوط الإجرامية ما زلنا نشاهد “رجالاً شهداء”.. رجالاً يسيرون على الأرض ويقودون الجبهات وهم على ثقة تامة بأن الشهادة بانتظارهم، وكل مقاوم على الأرض، يمثل قائداً لهذه المقاومة ويقدّر القرار الميداني المناسب.
على هذا العدو قراءة الدلالات وخاصة لجهة التوقيت في تعيين قيادة جديدة للمقاومة، بالتزامن مع تأكيد تلك المقاومة أن جيل مؤسسي هذه المقاومة لم ينضب فكراً ووجوداً.. نعم إن المقاومة تقول إنها باتت مستعدة الآن للحراك والتفاوض السياسي والدولي بعد أن أثبتت القوة والمنعة، وقهر الفتن، وخاصةً أن من أبرز أدوات الإسرائيلي، سلاح الفتنة الداخلية.
أما ميدانياً، فقد أصبحنا أمام قراءات متعدّدة للمشهد الأحدث المتمثل بانسحاب جيش حرب العدو من بضعة أمتار حاول احتلالها في الجنوب اللبناني، مفسراً ذلك بضرورة الردّ على استهداف نافذة غرفة نوم نتنياهو عبر الاغتيالات أو ربما ضرب السفارات، لكن تخفيف الفاتورة هو التفسير الأقرب للواقع، وخاصةً بعد اعتراف إعلام العدو بارتفاع القتلى والجرحى صفوف جيشه، بالتزامن مع تسريع لدفعات “تقسيط” الاعتراف بالخسائر، وتسريع لتوزيع التوابيت على المشافي. إذاً هناك مؤشرات عديدة باتت ترجّح استسلام هذا العدو ورغبته بالعودة للتفاوض وفق شروط المقاومة، وضرورة نبذ مبدأ نتنياهو في “التفاوض تحت النار”، مهما كان نتنياهو رجل خارج المنطق الزمكاني .. فالأخير توهم “انتصاراً” حققه منذ الـ ١٧ من أيلول وحتى الـ ٢٧ من أيلول، وعمل بالتوازي على ضخّ مبدأ جديد دخيل على العقيدة الصهيونية في “تجاوز الخسارة البشرية”، محاولاً الاستفادة من حالة “السُكْر” التي ضخها في شارع مستوطنيه، كما نلاحظ حالة استعجال صهيو – غربية تعبّر عنها كثرة الموفدين المطالبين بتطبيق القرارات الدولية وفقاً للتفسير والرؤية الأمريكية قبل نفاد “السُكْر” الذي توهموا بأنه أصاب الجميع، ولكن الجميع يعون الآن أن الموضوع بعد تاريخ الـ٢٧ من أيلول أخذ منحىً انحدارياً لجيش إجرام العدو.
والحال، فإن التطور العسكري لا يمكن فهمه إلا عبر قراءة المشهد الأمريكي الذي بدأ بشكل واضح يجرّ نتنياهو نحو جادة التهادن على الأقل، والتخلي عن همروجة “الحرب الكبرى” التي يلوح بها، في حين أن الحرب باتت تتضمن طروحاً متباينة، فلبنان ومقاوميه يطالبون بتطبيق القرار ١٧٠١ مع وقف نهائي للحرب من جانب العدو، فيما يطالب نتنياهو بإكمال الحرب وتطبيق القرار تحت خط النار، بينما الأمريكي يدعو لهدنة مؤقتة لمدة شهرين يُطبَّق خلالها الـ ١٧٠١ وفقاً لبدع هوكشتاين.
ولكن الحل بالنهاية مفتاحه بيد المقاومة، والأمريكي لن يحضر إلا في الوقت الذي يفيد نتنياهو، وليس لبنان، و”الانتصار” بالقصف والتدمير والمجازر ومن قبلها التفوق الاستخباري العفن والخبيث بحاجة لترجمة على الأرض عبر الغزو البري، وهذا محال.
ولربما أيضاً تحاول “إسرائيل” اقتلاع المقاومة اجتماعياً، والمراهنة على إفشالها سياسياً وإشعال الفتن الداخلية، لكن صناديق الانتخابات والوعي ودراسة سابقات التاريخ منعت وستمنع الشعب اللبناني من ذلك، ما يعني بالضرورة إن معركة المقاومة هي معمودية القيادة والنصر.