دراساتصحيفة البعث

مسار التنافس الانتخابي بين هاريس وترامب

 ريا خوري

ما زال الصراع ساخناً في سياق الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين كمالا هاريس المرشحة الرئاسية  عن الحزب الديمقراطي، والرئيس السابق دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري. هذا النزاع سيكون له تأثيره على دول العالم، حيث لا يمكن تجاهل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وما يليها من استحقاقات وتداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية ورسم خرائط دولية جديدة، وكل ما له امتداد وانعكاس على المصائر في الحروب ومسارات الأزمات الدولية المتفاقمة.

لقد أبدى عدد كبير من الخبراء الاستراتيجيين والمحللين السياسيين، والمختصين في مجال السباق الانتخابي رأيهم في حالة الإرباك التي تسيطر على كلا المرشحبن هاريس وترامب، فالمرشحة عن الحزب الديمقراطي لم تبرز كشخصية مستقلة عن الرئيس الحالي جو بايدن، وما زالت تسير على نهجه وخطاه، لذا فقد تم اعتبار ذلك نقطة ضعف أساسية في حملتها الانتخابية، فهي لم تتمكن من التخلص من إرثه الزاخر بالمتناقضات، وميله الجارف نحو تأجيج الصراع العسكري في أوكرانيا وقطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان، واليمن.

من الواضح أنَّ هاريس قد أحرزت تقدماً ملحوظاً بمجرد قيامها بتغيير بعض الشخصيات وتعيين شخصيات أخرى، ثم كسبت زخماً جديداً إضافياً بعد المناظرة مع ترامب، لكن فرصها أخذت تالياً في التراجع إلى حدود منذرة بالقلق. ففي مجريات منافستها مع ترامب حاولت هاريس من خلال المناظرة معه أن تلفت نظره أنَّها المرشحة أمامه، وليس بايدن، إلّا أنَّه استمر في قيامه بعملية الضغط على نقطة ضعفها الرئيسية، هذا من جهة. أما من جهة ثانية، فقد تم اعتبار المواقف السياسية لكليهما حول الحرب الدامية في قطاع غزة ولبنان ومستقبل المنطقة العربية متشابهين، على الرغم من توافقهما العام على دعم الكيان الصهيوني، وإمداده بالمال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية والأمنية بذريعة الحفاظ على أمنه ومستقبله.

من الناحية الموضوعية فإنَّ هاريس أقل وطأة من ترامب، على الرغم من كل الغضب المشروع والطبيعي على مواقف الإدارة الأمريكية الحالية مما يجري في العالم، التي وفرت الغطاء السياسي والاستراتيجي لأبشع حروب الإبادة الجماعية البشعة والتطهير العرقي في العصور الحديثة. في حقيقة الأمر إنَّ المرشحة الديمقراطية تدفع الآن أثماناً فادحة قد تكلفها خسارة السباق الانتخابي جرَّاء إتباع سياسات لم تكن شريكاً حقيقياً في صنعها وتكوينها، أو كانت ظلاً باهتاً في دهاليزها.

بعد اقتراب المسافة بين هاريس وترامب اعترضت هذه الفترة العديد من الأزمات التي يصعب تجاوز أثارها بسهولة مثل انحسار الدعم والتأييد من يسار الحزب الديمقراطي وقواه الشابة، التي شاركت باندفاع وفاعلية في الاحتجاجات الطلابية الكاسحة بجامعات النخبة، ضد المجازر البشعة التي ارتكبها وما زال يرتكبها في قطاع غزة، وهي مجازر مروعة والتواطؤ الرسمي العالمي معها.

من خلال المتابعة الدائمة لمجريات مواقفها وخطاباتها فإنّ هاريس عدّلت في صياغة موقفها السياسي من الحرب على قطاع غزة لمرات عديدة بمقتضى الحسابات الانتخابية المتبدلة والمتغيرة. في البداية مالت إلى شيء من التوازن لكسب أصوات القوى اليسارية والشباب الأمريكي الغاضب، ثم ذهبت إلى دعم أكثر للكيان الصهيوني للحفاظ على الدعم التقليدي السياسي والمالي لحزبها من اللوبيات اليهودية وتحديداً (الإيباك). لكنَّ هاريس عادت أخيراً تبحث عن التوازن خوفاً من أن تخسر الانتخابات في بعض الولايات المتأرجحة، التي تتمركز فيها أقلية عربية مؤثرة كولاية (ميشغان).

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي ستجرى في الخامس من  تشرين الثاني القادم، ومع التقارب في استطلاعات الرأي بين المرشحة الديمقراطية والمرشح الجمهوري، يشتد التنافس بينهما بشكلٍ محموم وغير مسبوق في الولايات المتأرجحة لكسب أصوات الناخبين فيها، بخاصة في ولاية وسكونسن وبنسلفانيا وميشيغان، وهي ولايات أطلق عليها اسم (الجدار الأزرق) التي تعتبر حاسمة للفوز، كما حدث في انتخابات الرئاسة عام 2020 م .

الجدير بالذكر أنَّ ولاية ميشيغان تشكل إحدى ساحات المواجهة الأساسية بين هاريس ترامب لكسب أصوات الناخبين العرب والمسلمين فيها، إضافة إلى العمَّال النقابيين والناخبين السود، كون أصوات الناخبين العرب والمسلمين تشكل 1% فقط من إجمالي الناخبين، ويمكن أن تحسم النتائج في الولايات المتأرجحة، ومن بينها ولاية ميشيغان، مع أنَّ ربع الأمريكيين من العرب  وعددهم ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف نسمة مسلمون والأغلبية العظمى في الواقع مسيحيون.

وفي الانتخابات التمهيدية التي جرت في 27 شباط الماضي، صوّت أكثر من مائة ألف من سكان الولاية، أي 13% من الناخبين الديمقراطيين بخيار اعتبر (غير ملتزم)، احتجاجاً على موقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي من الحرب الوحشية التي تشنها قوات العدو الصهيوني على قطاع غزة ولبنان الداعم لموقف الكيان، فيما انتقل دعم العرب والمسلمين إلى جيل شتاين، مرشحة حزب الخضر، المعارضة لهذه الحرب المدمّرة، وتحديداً في ولايات أريزونا وميشيغان وويسكونسون.