ثقافةصحيفة البعث

بشير بشير بين الجدارية واللوحة الصغيرة

ملده شويكاني

لم تكن بوابة المدينة بكل ما تحمله من عوالم تتابع خلفها آثار وحضارات وتكوينات إسلامية وزخارف وفنون وأشكال هندسية ومنمنمات وتراث وحكايات وطقوس وحروفية غير مقروءة، بالإضافة إلى دلالات من الزمن الحاضر وما يدور فيه من عنف، ترتبط في زوايا منها بالخط الأسود، وهي مؤطرة باللون الأحمر مجرد عمل تشكيلي، إذ كانت أشبه برواية تشكيلية ترتبط بخطوط دقيقة مع اللوحات الصغيرة التي تعكس جزئيات تفصيلية من الجدارية، وهذا ما يفسر عنوان المعرض الذي اختاره الفنان بشير بشير( 1+ 100) مئة لوحة ولوحة، والذي أقيم في صالة النحات العالمي مصطفى علي في دمشق القديمة التي تفوح بعبق التاريخ والأصالة، ما زاد من جمالية المعرض المؤلف من الجدارية ومائة لوحة صغيرة.

وتتصف الجدارية بالأسلوب الخاص بالفنان بشير باتكائه على جسد يبني عليه التكوينات التشكيلية المتفرعة والمؤلفة من فصول الرواية بأسلوبه التجريدي وبهياكل الشخوص المرسومة بضبابية وغموض، ليبقى خط الغرافيك الأسود هو العلامة البارزة الموحية بتأويلات وقراءات، موظّفاً مزيجاً من المدارس التشكيلية والألوان الحارة والباردة، وإن غلب عليها اللون الأحمر المعبّر عن الحياة بمشاعرها المختلطة والمضطربة.

أما اللوحات الصغيرة المائة فتتسم بالاختزال والتكثيف للفكرة المراد تجسيدها، وتعبّر عن موضوعات متعددة، تتفاوت من حيث المضمون والتقنية، فنوّع في التشكيل، ففي بعضها شغل خط الغرافيك الأسود القسم الأكبر من اللوحة، يتقاطع مع تشكيلات حروفية على خلفية شغلها اللون الواحد مثل الأصفر والأزرق.

بينما حفلت لوحات أخرى بإشراقات لونية زاهية ترقص على نغمات حركة الحرف العربي وانسيابيته بتجريد، تتألق بحرف الضاد إشارة إلى أهمية لغتنا العربية، وقد بُنيت هذه الحروفيات على خلفية استمد بعضها من حكايات ألف ليلية وليلة محور معرضه السابق، فنرى الفارس المغوار وليالي شهرزاد وشهريار بما تحمله من حكايات، بالمقابل خصص بعض اللوحات لتكوين واحد يتوازن مع لون الخلفية، فرسم في بعضها كائنات حيوانية وأخرى نباتية، وأخرى مستوحاة من مشاهد طبيعية مصغرة تتسم بألوان الطبيعة، ومن أجملها لوحة الشجرة بتجريد تعبيري.

كما رسم لوحات تعبّر عن الاحتواء والأمان بتجسيد شخوص ثنائية بحالات رومانسية، تمتزج بتشكيلات تعبيرية، وتتميز اللوحات الصغيرة عامة بالعجينة اللونية التي تمتزج فيها ألوان متعددة، منها الأصفر والزهري والأبيض والبرتقالي والأحمر والأزرق وغيرها، وفي جانب آخر اعتمد على تكوينات بالأبيض والأسود فقط.

ولم يقتصر المعرض على اللوحات فقط، إذ عرض مجسمات مؤلفة من قطع متعددة مغلفة بالقماش الذي رسم عليه من روح المعرض وإن بدا خط الغرافيك الأكثر وضوحاً.

وتبقى النقطتان اللتان تمثلان بداية الخلق هي العلامة الموجودة في أعمال الفنان بشير بشير، بالإضافة إلى الإيماءة بإشارات خفية لوجه أو هيكل يختبئ في إحدى الزوايا.

ويتزامن معرض ( 100+1) مع أيام التشكيل السوري، ويحمل الرقم الرابع والثلاثين بمسيرته الفنية الحافلة بغزارة الإنتاج وفق مراحل متعاقبة بالأسلوب والتقنيات.

وكما ذكر في حديثه أن الجدارية لم تكن بوابة لمدينة دمشق فقط، وإنما بوابة لانطلاقة جديدة في مساره الفني، ولاسيما بعد اتباعه الاختزال في اللوحة الصغيرة، وأنه تقصد اختيار المكان الأثري العريق للمنزل الكبير للنحات العالمي مصطفى علي الذي يشبه متحفاً فنياً ويعكس جمالية الطراز المعماري في مدينة دمشق لارتباط أعماله في جانب منها بالتراث الذي يعد جزءاً من هويتنا وثقافتنا.