ثقافةصحيفة البعث

بعد حصولها على “كتارا”.. ليزا خضر: من يكتب وعينه على الجوائز يخسر مرتين

أمينة عباس

نجحت الروائية ليزا خضر من خلال روايتها “حائط الفضيحة” في الفوز، مؤخراً، بجائزة “كتارا للرواية العربية” بدورتها العاشرة ٢٠٢٤، عن فئة الروايات العربية غير المنشورة ضمن منافسة عربية واسعة بلغت الـ ٨٨٦ رواية من أنحاء الوطن العربي، وعن الجائزة تقول في حواري معها: “لم يفاجئني فوزي بالجائزة بسبب إيماني بجدارة ما كتبت وثقتي بنزاهة تحكيم جائزة كبيرة مثل كتارا، وعندما كتبت الرواية كنت مستمتعة باللعب مع المفردات والصور والأحداث والخيالات، فالكتابة بالنسبة إلي فيض وموهبة وبهلوانية لغوية، وكل ما شغلني بعد إنجازها هو أن ترى النور وتأخذ مكاناً تستحقه في عالم الرواية بغضّ النظر عن الجوائز، لذلك أقول لمن يكتب وعينه على الجوائز إنك تخسر مرتين، في الأولى متعة الكتابة، وفي الثانية حميمية العلاقة بينك وبين التفاصيل التي قد تسبق الحصول على جائزة، ونصيحتي للكتّاب: “اسعوا لتنالوا تقديركم لأنفسكم والرضى عن نتاجها أولاً ومن ثَمّ تقدير ذوّاقي الكلمة غير المجاملين ثانياً، ومن الجميل في النهاية أن يلتفت الأدب إليكم ليقدركم بجائزة تستحقونها، عندها ستأتي بطعمٍ لا يوصف”.

وتُعدّ رواية “حائط الفضيحة” التجربة الروائية الثانية للكاتبة التي تقول: “هذه الرواية جاءت بعد دراسة عميقة من قبلي للفن الروائي وجمالياته، ما جعلها أكثر اكتنازاً من روايتي الأولى “طفح أنثوي”، وكلاهما تتحدثان عن “لور”، لكن “لور” في الأولى تمثل قضية اجتماعية تختلف عن قضيتها في الثانية، وهي في الاثنتين المرأة في مجتمعات الشرق المتخلفة”.

وردّاً على سؤالنا “كم من الجرأة لزمتك لتنجزي روايتين عن عالم المرأة؟”، لا تتردّد خضر بالقول: “الجرأة هي مفتاح لإعطاء الإبداع حقه، وأنا حريصة دوماً على التحرر من قيود الكتابة، وخصوصاً عندما أتناول قضايا المرأة في مجتمعاتنا”.

ولأنه لا يمكن للكاتب أن يفصل بين حياته الخاصة وبين ما يكتب تؤمن خضر بأن “إحدى أدوات الروائي الماهر قدرته على تحويل الخاص إلى عام، والروائي عموماً يعاني إسقاطات أحداث رواياته على حياته الشخصية، لكن ذلك لا يُعدّ أمراً مشيناً، إنما مهارة غير معلنة”.

وكشاعرة في رصيدها ثلاثة دواوين هي “لا أثر لرأسي الأول”، و”كأني أنا”، و”حبر الكمان”، توضح  ليزا خضر أن “لغة الرواية التي أكتبها أقرب إلى اللغة الشعرية بسبب ميلي لاستخدام الصور الشعرية بغزارة في معظم الأحيان، أما كيف أوازن بين الشعر لغة القلب والعاطفة لتشمل تفاصيل الحياة اليومية، فإن كتاباتي تحاول إظهار مدى ما في القلب من أسى وحب ورغبة وفرح وتأمل وألم, وتداخل كلّ ذلك هو ما يكسب المعنى قرباً من شؤون الحياة الصغيرة والكبيرة”.

تقول ليزا خضر في ديوانها الثاني “كأني أنا”: “أكتب الشعر لأنجو.. فما أشدّ انسكاب الخمر في تأويل الحبر.. أكتب الشعر لأترع لذتي بالسلام.. وأذهب في صوفية البوح أدراج الخرافة”. ونسألها: “ماذا عن الحرب التي عشناها وكيف تسلّلت إلى ما تكتبين؟”، فتجيب: “الحرب موجودة في كل أركان قصائدي وحارات روايتي لأنها تصبغ الأحداث عن بعد، فلا تتوقف روايتي وأشعاري عن إطلاق الأسئلة والصرخات والنداءات، وما بين الواقع والخيال من الذي ينتصر في كتاباتي أكثر سواء في الشعر أم الرواية أقول الخيال شيّق وهو الأمتع، لكنه يأخذ كل ملامحه من الواقع”.

ولا تتفق خضر مع الرأي القائل بوجود زحف نسائي في الآونة الأخيرة اتجاه كتابة الرواية، في الوقت الذي كانت فيه الكاتبة تبتعد عن هذا الجنس الأدبي الصعب فتقول: “لا أعتقد بأن تعبير الزحف النسائي نحو الرواية تعبيرٌ دقيق، وما يحدث أن معظم الشعراء والشاعرات عندما تنضج تجربتهم الشعرية وتمتلئ جعبتهم الفكرية والأدبية بما يُقال ولا يسع له الشعر مع تمكنهم من أدوات الرواية يتجهون غالباً إلى الرواية، وهناك أمثلة كثيرة سواء عن شعراء أم شاعرات”.

وكمعظم الكتّاب يعني النقد كثيراً خضر فهو كما تبيّن: “كمن يقف أمام المرآة ليرى عيوبه فيصححها، والناقد البنّاء هو مرآتي التي لا تكذب، لذلك أحاول قدر الإمكان الابتعاد عن المجاملين والمغالين بآرائهم سلباً أو إيجاباً بلا أي منطق يقنعني، مع الإشارة إلى وجود نوعين من النقاد، ناقد هدّام وناقد بنّاء، والأول همّه قنص الأخطاء من دون تصحيحها بهدف استعراض معارفه النقدية على حساب سمعة العمل الأدبي وسمعة كاتبه، وبعضهم يتدخل في بنية العمل الإبداعية فارضاً رأيه الخاص، والنتيجة إحباط الكاتب وتحطيم ثقته بالنقد، أما الثاني فهو البَنّاء لأنه يجهد في إظهار مواضع الجمال بالتوازي مع لفت النظر إلى ضعف ما يشير إليه ويستخدم معارفه النقدية في تقويته ليعطي جرعة معرفيه لكاتبه، ما يشجّع الفعل الإبداعي لدى الكاتب ويزيد من شهيته لتوسيع آفاقه ويحفزه لكي يزيد من جهده الإبداعي، ونميّز بين ناقد وآخر بمقدار المحبة التي يظهرها للعمل موضوع نقده، فيكون إما محباً يأخذ بيد العمل الذي بين يديه أو استعراضياً يعرّي العمل من دون الإمساك بيده أو حبه”.

وما بين كتابة الشعر وكتابة الرواية، ترفض ليزا أن يكون بينهما صراع  قائلة: “تعبير صراع وصف غير منصف، فهما جنسان أدبيان، لكل منهما اعتباره وميزاته وجمالياته وجمهوره الخاص، لكن لأكون دقيقة فإن جمهور الشعر يضمّ شريحة المثقفين شعرياً وأدبياً مع المهتمين بالشعر على وجه الخصوص، بينما جمهور الرواية يضمّ شرائح أوسع، بالإضافة إلى الأدباء والكتّاب والمهتمين والباحثين عن التسلية والمتعة في القصة، ولأن جمهور القراء في عصر السرعة يميلون إلى الاستسهال نجد أن أكثريتهم يذهبون إلى الرواية، لكن في النهاية سواء في الشعر أم الرواية فالأذن هي نفسها التي تسمع وتطرب وتميّز، ويبقى القارئ المفضل لديّ هو المحبّ لدهشة ما أكتبه والمقدّر لجمالية الكلمة عموماً، فالمحبة مطلوبة بين الكاتب والقارئ كما هي مطلوبة في كل شيء آخر”.

يُذكر أن ليزا خضر عضو اتحاد الكتّاب العرب، وهي من مواليد طرطوس، تخرجت في كلية الهندسة الكهربائية ـ جامعة تشرين ـ بدأت الكتابة في سن صغيرة: “كنتُ أقرأ كثيراً، ومن ثمّ أحاول كتابة أفكاري وقصصاً تشبه القصص التي أقرأها في المجلات مثل “أسامة”، وأول جائزة نلتُها كانت عن فوزي بالمركز الأول في مسابقة لشبيبة الثورة للقصة القصيرة وكنتُ في الثالثة عشرة من عمري، وتوالت الإنجازات والتكريمات بعدها، وكثرة التقدير حمّلني رسالة الأدب باكراً وعددت نفسي مؤتمنة على تلك الرسالة”.