“صغير” حقيقي خير من “كبير” وهمي!
حسن النابلسي
أطاحت فاتحة قرارات الحكومة المتعلقة برفع المازوت الزراعي، وتوجهها الملحوظ لرفع بقية المشتقات النفطية، بما كان معوّلاً عليه من أثر لمشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2025 المتعلق بزيادة الإنفاق الاستثماري، وإمكانية انعكاس ذلك على تحسين الوضع المعيشي، ما يعني بالمحصلة أننا بتنا على عتبة جديدة لموجة من ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية التي لم يعد يُحتمل رفعها ولو قيد أنملة!
وفي وقت نقدر ما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية حادة، نشير إلى أن التوجه الحكومي يجب أن يكون منصباً على تحسين الجانب المعيشي المستمر بالانزلاق!
وفي حال كانت الحكومة جادة بالجانب الاستثماري الحقيقي، نعتقد أن أولى ما يتوجب الاشتغال عليه هو توسيع رقعة استثمار المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة، ومن ثم المتوسطة، ولتكن البداية أولاً بتظهير ورش الظل بعيداً عن روتين المقيت وبيروقراطية التراخيص المُنفِرة!
وتكمن الخطوة الثانية بترجمة التوجه الحكومي لتفعيل هذا النوع من المشروعات، والاشتغال على الحاجة الفعلية لهذه المشروعات من زاوية أن اقتصادنا اليوم ليس لديه مقومات – على الأقل في هذه المرحلة – تؤهله لأن يكون حاضناً فعلياً للمشروعات الكبيرة، فسقفه الحقيقي – وبكل واقعية – هو المشروعات المتوسطة، والتركيز على مسألة العناقيد الصناعية للصناعات الغذائية لضمان الأمن الغذائي هو الأجدى، لا التركيز على مشاريع خدمية سياحية تستنزف الطاقة على حساب شريحة منتجة لها الأحقية بكل قطرة نفطية!
ولعلّ المفارقة الكبرى تكمن بحجم المدخرات المجمدة في السوق العقارية لدى شريحة لا بأس بها آثرت الدخول في مثل هذه المشاريع الخدمية الريعية، بعيداً عن نظيرتها الإنتاجية المحفوفة بمخاطر جدوى اقتصادية قوامها غياب حوامل الطاقة أو الرفع المستمر لأسعارها أو ما يترتب عليها من رسوم وضرائب والتي لم يتم إلى الآن صياغة آلية متفق عليها تضمن حق الخزينة، وتنصف المُنتِج، فضلاً عن مشاكل التسويق وانسيابية النقل وغيرها من الأمور اللوجستية المتوجب إيجاد حلولاً لها لاستنهاض رأس المال الداخلي قبل نظيره الخارجي وزجه بالاستثمار الإنتاجي الحقيقي!
ما سبق يحتم على الحكومة إعادة ترتيب الأولويات، بحيث يتصدرها، وبكل جدارة، دعم الريف السوري “المُنتج” بمسألة الطاقة والمحروقات بالدرجة الأولى لاستثمار كل شبر منه زراعياً، على عكس ما هو حاصل حالياً، حيث نلحظ تركيز الاهتمام الحكومي على مراكز المدن بساعات وصل كهربائي أكثر من الأرياف، علماً أن الأولى مستهلكة، والثانية منتجة، إضافة إلى تشبيك منتجات هذا الريف مع المدن الصناعية وأسواق الهال من خلال خارطة طريق تضمن إنتاج زراعي خاص بالتصنيع يأخذ طريقه إلى المدن الصناعية، وآخر خاص بالاستهلاك المباشر يأخذ طريقه إلى أسواق الهال… وبهذا قد نكون فكرنا خارج الصندوق!
hasanla@yahoo.com