نهج المقاومة لا يموت بالقنابل
هيفاء علي
يتواصل العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة والضفة والغربية ولبنان في ظلّ صمت دولي مريب، وفي ظل واستمرار الدعم العسكري واللوجستي والمالي الغربي للكيان الصهيوني، حيث لم يسلم أحد من قصف طيرانه الحربي، لا البشر ولا الحجر، وقد اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بضرب 120 هدفاً بما فيها المباني السكنية والمرافق العامة والبنى التحتية في لبنان.
وهذا ما يؤكد أن مبدأ التناسب والأولوية للأبرياء ليسا جزءاً من قاموس جيش الاحتلال الذي لا يتردّد في إطلاق الصواريخ على المباني السكنية، ليس في جنوب لبنان، الذي يتعرّض للقصف المستمر، ولا الضواحي الجنوبية لبيروت، بل بلد الأرز بأكمله، وليس فقط غزة والضفة الغربية يتعرّضان للعدوان، بل فلسطين المحتلة بأكملها، والخسائر البشرية خطيرة، سواء في لبنان أو في فلسطين المحتلة.
فقد سجلت وزارة الصحة اللبنانية، مساء الأحد 27 تشرين الأول 2024، استشهاد 2653 و12363 إصابة، منذ 8 تشرين الأول 2023، تاريخ بدء العدوان على جنوب لبنان.
وفي قطاع غزة، استشهد أكثر من 41 ألف شخص معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، فيما بلغ عدد الفلسطينيين الجرحى في غزة أكثر من 96 ألفاً، وعدد الفلسطينيين النازحين في غزة نحو 1.9 مليون، وبلغت نسبة سكان غزة الذين نزحوا نحو 90 في المئة.
وفيما يتعلّق بالدمار الكبير الذي طال غزة، فقد بلغت نسبة أراضي غزة الخاضعة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية نحو 90 في المئة، وعدد المباني المتضرّرة أكثر من 120 ألفاً، وبلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة أو المدمرة أكثر من 215 ألفاً، فيما بلغت نسبة المباني المتضررة أو المدمرة 60 في المئة.
وحول الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في غزة، فقد بلغت نسبة الطرق الرئيسية المتضرّرة أو المدمرة أكثر من 92 في المئة، ونسبة المرافق الصحية المتضررة أو المدمرة أكثر من 84 في المئة، وبلغت نسبة مرافق المياه والصرف الصحي المتضررة أو المدمرة 67 في المئة، وبلغت الكمية اليومية من المياه غير المعالجة والصرف الصحي المتدفقة إلى البحر من غزة 60 ألف متر مكعب، وبلغ طول الشبكة الكهربائية المدمرة 510 كيلومترات.
ورغم كلّ هذا الكمّ من الخسائر الكارثية بكل معنى الكلمة، فإن الكيان الصهيوني المحتل لن يهزم المقاومة الفلسطينية ولا اللبنانية، لأنه بكل بساطة لا يمكنه قتل فكرة المقاومة بالقنابل، لأن المقاومة هي عقيدة راسخة وإيمان مطلق، وكلما زادت وحشية الكيان الصهيوني، زادت قوة المقاومة وصمودها، وزاد إصرارها على مواصلة النضال حتى تحقيق النصر وتحرير الأراضي المحتلة، والعمل الإرهابي الذي يقوم به الكيان المحتل في فلسطين ولبنان لن يؤدي إلى نهاية المقاومة اللبنانية، ولا نهاية فصائل المقاومة الفلسطينية، بل سيعزّز قوتها وصمودها، وسيقود إلى الردّ على إرهابه، وأيضاً ضد مؤيديه الغربيين، ومن الواضح أن هذا لا ينبغي أن يكون مفاجئاً لأحد.
واليوم، بالنسبة للشعب اللبناني والشعب الفلسطيني، فإن المعتدي الذي يقتل بكلّ قوته هو جيش الاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة اللبنانية والفلسطينية هما اللذان يصدّان هجمات المعتدي، وسيأتي وقت للتفاوض وسيتمّ ذلك حتماً وبشروط المقاومة.
فمنذ أزمة 2019 التي أوقعت أكثر من 80% من السكان في براثن الفقر وتسبّبت في انخفاض الأجور، لم يتمّ تكريس طاقة المجتمع ككل لا للاستيلاء على السلطة ولا للدفاع عن الأفكار، بل من أجل البقاء. وهذا العدوان على غزة ولبنان سوف يتوقف عندما تتوقف الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عن تسليح الكيان الصهيوني على نطاق واسع، وحتى تزويده بالقنابل الفسفورية المحرمة دولياً، والتي تستخدم حالياً ضد السكان اللبنانيين.
لبنان وغزة يشبهان ساحة تدريب واختبار للأسلحة الغربية الفتاكة مع أهداف بشرية لكبار الضباط، وتجار الأسلحة الإسرائيليين الأميركيين، وهذه الصراعات التي تدمّر بشكل رئيسي المدنيين والأبرياء، هي مرة أخرى حروب قذرة.
مؤخراً أظهر استطلاع جديد أجرته مؤسّسة “بيانات من أجل التقدم” للأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً والذين من المرجح أن يصوّتوا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أن غالبية الجمهوريين الشباب يؤيدون قطع المساعدات العسكرية الأمريكية “لإسرائيل”. وبحسب الاستطلاع، فإن 52% من الشباب الجمهوريين يؤيدون حظر الأسلحة إلى “إسرائيل”، بينما يعارض 36%، ويقول 17% إنهم غير متأكدين. كما أظهر الاستطلاع أن 62% من الديمقراطيين الشباب يؤيدون وقف شحنات الأسلحة إلى “إسرائيل”، بينما يعارض ذلك 21%، وقال 17% إنهم غير متأكدين. وعند أخذ الناخبين المستقلين والأطراف الثالثة في الاعتبار، وجد الاستطلاع أن 55% من الناخبين المحتملين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يؤيدون حظر الأسلحة الأمريكية على “إسرائيل”. كما بحث الاستطلاع في الكيفية التي يعتزم بها الشباب الأميركيون التصويت في تشرين الثاني، حيث فضّلت غالبيتهم نائبة الرئيس كامالا هاريس على الرئيس السابق دونالد ترامب، وقد وعد كلا المرشحين بمواصلة تسليح “إسرائيل”، ما من شأنه المساعدة في ارتكاب المزيد من مجازر الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، وقد وجدت استطلاعات الرأي السابقة “بيانات من أجل التقدم” أن غالبية الأميركيين يفضّلون وقف إطلاق النار الدائم في غزة، في حين زعمت إدارة بايدن أنها تسعى إلى هدنة مؤقتة، لكنها لم تمارس ضغوطاً حقيقية على “إسرائيل” لقبول مثل هذه الهدنة، حيث استمرت شحنات الأسلحة في التدفق.